الزميل كنعاني ،
أنا مثلك ، وأمثالنا كثيرون ، فضريبة الإلحاد باهضة جداً خصوصاً في المجتمعات الإسلامية ، ولأنني لا أجد ما أضيفه إلى كلماتك أكتفي بسرد بعض تجربتي ، فقد بدأت إلحادي مبكراً ( لست شاباً مثلك ) ، ولم أكن أخفي إلحادي ، خصوصاً داخل الجامعة ، وحين تخرجت ذهبت للعمل في دولة خليجية ، وكان علي أن أصلي في المناسبات الجامعة ، أقصد تمثيل الصلاة مع المصلين ، فاتحتي وخاتمتي : يلعن أبوكم يا حمير يا تيوس . .. حتى فاض السخط بأعماقي ،فصرت أزوغ كثيراً ، وتوقفت عن صلاة الجمعة ، فانزعاجي منها أضحى أعظم من انزعاجي من نفسي ، وقد ساعدني على ذلك أن علاقاتي مع الناس هي علاقات مؤقتة ، فما أن أعود إلى بلادي ( فلسطين ) ستنقطع صلتي بكل واحد منهم ، فلا يهم رأيهم بي ، ولن يستطيعوا التاثير على أسرتي في المستقبل ، كأن يتحمل أبنائي وزر إلحادي .
المشكلة عادت بقوة مع عودتي إلى أهلي ، صحيح أنهم جميعاً تقريباً يتذكرون إلحادي في شبابي ، ولكنهم يتوقعون أيضاً أن أرتد إلى الإسلام بعد أن شاب شعري ، وكبر أولادي ، غير أنني لم أستطع مسايرتهم ، فما زلت لا أصلي ، ولم أزر مسجداً لمرة واحدة منذ عودتي قبل ثلاث سنوات ، لسان حالي يقول : ليقبلني من يريد صحبتي كما أنا أو فليذهب إلى الجحيم أو الجنة ، فليست لي به حاجة ، غير أن الضغط الواقع عليّ بسبب خوفي من أن يؤثر ذلك على أولادي يتضخم يوماً إثر يوم ، حتى أنني أدين أحيانا نفسي ، وأتهمها بالأنانية بالرغم من عجزي التام عن النفاق المطلوب مني ، وهو غير مكلف في الحقيقة ، فالسياسيون يمارسونه في كل حين ، وكثير منهم يصلي وهو سكران ، لكنني لست مثلهم ، فأنا مجرد عابر سبيل ، لا أطمع بشيء سوى العيش بسلام مع النفس ، والمحافظة على انسجامي مع قناعاتي المكتسبة بجهدي الشخصي .
أعزي نفسي في كثير من الأحيان ، فأقول لها : ليعتد الناس عليك كما أنت ، فالناس يعتادون على المجرمين واللصوص والعملاء ، ويصاحبونهم بالرغم من كل شيء ، طبعاً لا أقارن نفسي بهؤلاء ، وأقصد أن رضاء الناس غاية لا تدرك ، وفي النهاية سأموت ، ولن يتذكرني سوى قلة قليلة من الناس ولسنوات محدودة . حياتي إذن مجرد تجربة ، وهي لا تختلف عن أي حياة : قطرة ندى صغيرة ستتبدد مع شروق الشمس .
عوضاً عن الناس هنالك حياة كاملة يمكن أن أعيشها : الهوايات ، رعاية الأشجار ، القراءة ، الخوض في شؤون الحياة بعيداً عن الدين ونقيضه .
الزواج لا علاقة له بالدين ، فالمرأة العاقلة لا تهدم بيتها حتى من أجل الله ، ومن تشذ عن هذه القاعدة فلتذهب هي الأخرى إلى جنتها ، فلا أسف عليها .
الأبناء تركتهم ليختاروا دروبهم ، فمن أنا لأكون وصياً على عقيدة أحد حتى لو كان ابني ، لكنني بالطبع أتوقع أن أسلوب حياتي الواضح لهم لا بد وأن يترك أثراً في رؤوسهم ، فإن غلبني المجتمع / الدين فذاك ما لا حيلة لي فيه ، إذ إنني لا أستطيع لعب دور النبي ، ولا أملك شيئاً من الحكمة لأنني لا اضمن أبداً أن تصلح أي حكمة للأفراد في كل زمان ومكان ، فما هو صالح لجيل قد لا يصلح لسواه ، وما هو صالح في مجتمع ما قد لا يصلح في مجتمع آخر .

شكراً .