عزيزي إبراهيم،

إن بدك تشوف جذر الخلاف من باب التعرف على الغير، فالخلاف أصولي،

عزيزي أنا ممن يرون عدم تضييع الوقت في البحث في الفروع، وحين أرى إنسانا يختلف معي، فإنني أتتبع الخلاف حتى أصل إلى أصله، وهو ما أناقشه وأستعرضه، ولا أعبأ بالمظهر الفرعي الذي هو نتيجة حتمية للخلاف الأول.

الخلاف الذي جعلك لا تستسيغ الحجاب والجلباب والخمار(غطاء الرأس) وجعل غيرك يستسيغه ويطلبه، وكلاكما بشر، هو في التحسين والتقبيح للأفعال والحكم عليها بالصواب والخطأ، ومن هنا ننطلق.

أنت عزيزي إبراهيم من معرفتي بك وبما تكتب، ترى أن العقل هو الذي يحسّن ويقبّح الأفعال فيرى هذا يصلح وهذا لا يصلح، وأنا أرى أن العقل لا يستطيع أن يحكم على الفعل حكما زائدا عنه، العقل لا يستطيع أن يحكم على فعل التجارة مثلا بأكثر من أنه تجارة، ولا يستطيع أن يحكم على فعل الربا بأكثر من أنه ربا، أما أنه حسن وقبيح فهذا حكم معياري زائد لا يستطيعه العقل لعدم وجود المعلومات المسبقة عنه، والأغلب أن من سيحكم هو الهوى ونسبة الفعل إلى غيره مما يحب المرء ويكره، فترى الدائن يحكم بالتحسين على الربا والمدين يحكم عليها بالتقبيح، وهو فعل واحد وأمر واحد. ولن يخرج الناس عن أحد الحالين.

ثم إن أردنا اتخاذ العقل حكما معياريا للحكم على الأفعال بالتحسين والتقبيح، فسنجد مشكلة أخرى غير الهوى والقصور، سنجد مشكلة التحيز، فرض الرأي، الظروف المحيطة، كل ما سبق سيجعل الأحكام متذبذبة تنفع أناسا على حساب غيرهم.

أعرف أنك تحب القراءة، وقد تم بحث الأمر بتوسع في كتب أصول الفقه، لا سيما من يرى من المسلمين أن الشرع لا العقل هو من يحسّن ويقبّح، فإن أحببت أن تتوسع في الأمر فاعلم أن أحد أفضل المختصرات لهذه القضية وجدتها في مقدمة كتاب يدعى الشخصية الإسلامية - الجزء الثالث لكاتبها القاضي تقي الدين النبهاني، تذكر الجزء الثالث، فباقي الأجزاء تتضمن فروعيات لا تفيدنا هنا.
يتناول هذا الكتاب الأصول على المنهج الشافعي وضمن نموذج الأشاعرة غالبا، لعله تبسيط واختصار لمستصفى الغزّالي، ذلك قد يفيد المتبحرين في الفلسفة لكثرة استخدامه لمصطلحات تبدو وحشية لدينا، وكأرانب أليفة لمن راض نفسه على الفلسفة.

أكتفي بهذا القدر، ولن أرمي بالكلمة المسيئة احتراما لكلينا.