عودة بندر.. وآل الفيصل!
طباعة أرسل لصديق
سيمون هندرسون - شفاف الشرق الأوسط
12/ 12/ 2010
طوال أكثر من عشرين سنة، كان الأمير بندر بن سلطان رجلَ الرياض في واشنطن. وبصفته سفير السعودية لدى الولايات المتحدة من العام 1983 إلى العام 2005، أُطلقت عليه تسمية "بندر بوش" بسبب علاقاته الوثيقة مع عائلة بوش. وبعد مغادرة واشنطن، في ما بدا كسقوط سياسي، عاد بندر إلى السعودية ليرأس "مجلس الأمن الوطني" الذي كان قد تأسّس لتوّه، والذي ما يزال دوره غير واضح حتى الآن. لكنة ظلّ يقوم بزيارات خاطفة إلى الولايات المتحدة بين حين وآخر لأن الملك عبدالله، كما أفيد، كان يفضّل بندر على خلفه تركي الفيصل كقناة إتصال مع البيت الأبيض- الأمر الذي دفع تركي الفيصل إلى الإستقالة إحتجاجاً.
ثم اختفى بندر بعيداً عن الأضواء منذ حوالي العام 2008. وما يزال غير واضحٍ تماماً سبب فقدان بندر للحظوة السياسية في ذلك الحين، علماً بأنه كان قد راكم عدداً من الأعداء، حتى ضمن العائلة الحاكمة، على مدى عمله الطويل كقناة إتصال رئيسية بين السعودية وأهم حلفائها.
وأثار إختفاء بندر، في حينه، عدداً من "نظريات المؤامرة". وتميّزت وسائل الإعلام الإيرانية، مثلاً، بنسج رواية مفادها أنه كان العقل المدبّر لنشاطات "القاعدة" في العراق، وبأنه كان يقوم بتمويل الجماعات السنّية المرتبطة بـ"القاعدة" في لبنان من أجل تقويض حزب الله.
المهم أن بندر قد عاد. وقد ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية في خبر موجز نشرته الأسبوع الماضي أن رئيس الإستخبارات السعودية، الأمير مقرن بن عبد العزيز، استقبل الأمير بندر في المطار.
وكان في استقبال بندر كوكبة من الشخصيات المؤثّرة في السياسات السعودية: مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية، الأمير خالد بن سلطان؛ مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، الأمير محمد بن نايف؛ ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، الأمير عبد العزيز بن فهد؛ ومستشار ولي العهد، الأمير فيصل بن خالد بن سلطان؛ ومساعد الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، الأمير سلمان بن سلطان؛ وأضافت الوكالة الرسمية أن عدداً من "كبار الأمراء" كانوا، أيضاً، في استقبال الأمير بندر.
ذلك كلّه يشكل استقبالاً غير عادي للأمير بندر، بجميع المعايير. وبالمعايير السعودية، فهو إستقبال إستثنائي: إذ حضره واحد من أعمام بندر، وشقيق واحد، وثلاثة من أبرز أبناء أعماله، وأحد أبناء أشقائه، وهذا عدا "كبار الأمراء" الذين امتنعت الوكالة الرسمية عن تسميهم. واكتفت الوكالة السعودية الرسمية بالإشارة إلى عودة بندر "من الخارج"، بدون تفاصيل. ولم تُنشَر صوَر للإستقبال، مع أن إحدى الروايات ذكرت أن بندر بدا أنحف بكثير مما كان قبلاً.
ماذا يجري في السعودية؟ لنبدأ بالتحذير التالي: هنالك مثل قديم مفاده أن الذين يعلمون ماذا يجري في السعودية لا يتحدثون، وأن الذين يتحدثون لا يعرفون ما يجري في المملكة. أن هذا المثل غالباً ما يُستخدَم من جانب المرتبطين بآل سعود من أجل تقويض التقارير غير الملائمة للنظام السعودي، ومع ذلك فهو يذكّر المحلّلين بأن معرفتنا بالسياسات الغامضة للملكة لن ترقى يوماً إلى المستوى المطلوب.
لقد تعرّض الأمير بندر لمحنة صحية طوال سنوات، وخضع مؤخراً لعمليتين جراحيّتين في "مستشفى جون هوبكنز" في "بلتيمور". والتفسير الأكثر رواجاً لعودته هو أنه عاد إلى بلاده بعد أن أمضى فترة نقاهة في المغرب، حيث يمضي والده، ولي العهد الأمير سلطان، إجازة. والأرجح أن الأمير بندر يعاني من آلام في الظهر، مع أن سيرتين صدرتا عنه في السنوات الأخيرة تحدّثتا عن مشكلات إدمان للكحول وإكتئاب. وكتب "دافيد ب. أوتاواي"، مؤلف كتاب "رسول الملك"، أنه لا يكتفي بتناول الكحول بين حين وآخر. في ما أشار صديقه (السابق، على الأرجح) "وليام سمبسون"، في كتابه "الأمير: القصة السرية لأحد الأمراء الأكثر غموضاً" إلى فترة منتصف التسعينات بصفتها "أولى فترات الإكتئاب الكامل" التي عاشها بندر.
مع ذلك، يبدو أن عودة بندر إلى السعودية تعني أكثر من مجرّد تحسّن وضعه الصحّي. وتفيد معلومات مصدر مقرّب من العائلة الحاكمة أن عودة بندر ترتبط بالسياسات الداخلية للعائلة السعودية وبمسائل ولاية العهد التي تثير النزعات: من سيتولّى المُلك بعد الملك عبدالله، ومن سيكون خَلَف الملك القادم؟ ويقال أن مواهب بندر في إيجاد حلول وسط دفعت العائلة الحاكمة لتجاهل سمعته كشخص يميل لاتخاذ قرارات تخدم مصالحه الشخصية ولتجاهل قدرٍ من قلة الإحترام الذي يبديه تجاه عدد من أعمامه.
ورغم الإستتباب الظاهر للأمور في المملكة، فالعائلة المالكة تعيش، الآن، حالة جَيَشان محورها مسألة الخلافة. فالملك عبدالله بلغ 87 عاماً، ولكن شقيقه الأمير سلطان بلغ 86 عاماً. أي أن الأمير سلطان ما زال قدراً على خلافة الملك الحالي، لكنه لن يكون قادراً على إدارة شؤون البلاد بصورة فعلية. ويأتي بعده الأمير نايف، 77 عاماًُ، أي وزير الداخلية المتشدد الذي اشتُهِر (في الغرب) بعد زعمه بأن اليهود كانوا مسؤولين عن هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
ولكن حالة القلق تتجاوز مستويات كبار الأمراء. فليس سرّاً أن عبدالله والأمراء الـ19 المتبقّين من أبناء الملك عبد العزيز- مؤسّس السعودية "الحديثة"، الذي توفّي في العام 1953- باتوا أكبر سنّاً، أو أن بعضهم لا يملك الخبرة أو الحنكة، لتسيير شؤون المملكة في المستقبل. ولا مفرّ من انتقال الخلافة إلى أبنائهم، أي إلى أحفاد عبد العزيز. وهنا يُطرَح السؤال الحاسم: أي فرعٍ من العائلة السعودية سيخرج منتصراً من الصراع على الخلافة؟
وفقاً لمصادر ضمن العائلة الحاكمة، ثمة ملامح لصفقة. إن تسلسل الأحداث ليس واضحاً، ولكن التغييرات يمكن أن تشرع في وقت قريب. أولاً، سيتخلّى الأمير سلطان بن عبد العزيز عن منصبه الدائم كوزيرٍ للدفاع، وسيتنازل عن الحقيبة لصالح إبنه (شقيق بندر) خالد بن سلطان، الذي يشغل حالياً منصب مساعد وزير الدفاع بعد أن كان قائد القوات العربية إبان حرب تحرير الكويت في العام 1991. إن أكتاف بندر عريضة، ولكن مؤهلاته العسكرية ضعيفة- وقد تميّزت قيادته للقوات السعودية في حربها ضد المتمردين الحوثيين في منطقة الحدود مع اليمن، قبل أشهر، بمجموعة من الأخطاء التكتيكية الفادحة. مع ذلك، تصرّ حاشية الأمير سلطان على أن يخلف خالد والده الذي بات شبه مُقعَد.
وسيتمثّل تغيير ثانٍ في تقاعد الأمير سعود الفيصل (69 عاماً) من منصبه كوزير للخارجية. إن سعود الفيصل معروف بميوله القومية العربية، وقد وصفته وثيقة بريطانية رسمية بأنه "ذكي جداً ولكن ليس إلى الدرجة التي يعتقدها هو". وهو يعاني من مرض "باركنسون" ومن آلام في الظهر، وبدا في بعض الصور وكأنه يحتضر.
وتقول المصادر أن منصب وزير الخارجية سيؤول إلى شقيقه الأصغر "تركي الفيصل"، (65 عاماً) بحيث تظل الوزارة، حسب تقليد إقطاعي، ضمن فرع "الفيصل" من العائلة الحاكمة. وكان الأمير تركي قد ترأس الإستخبارات السعودية لسنواتٍ طويلة إلى أن تمّ عزله قبل 10 أيام فقط من هجمات 11 سبتمبر، ثم عمل بنجاح كسفير للسعودية في بريطانيا، قبل أن يمضي فترة غير موفّقة أبداً كسفير لدى واشنطن. وستقوم العائلة بإعادة الإعتبار للأمير تركي، مجدّداً، بفضل مواهبه الفكرية وعلاقاته الدولية التي يندر مثلها في العائلة الحاكمة.
إن "تغيير الحَرَس" سيطال، كذلك، المنصب الملكي:
ويُعتَقَد أن شقيق سعود وتركي الفيصل، الأمير خالد (69 عاماً)، سيكون الملك المقبل. إن خالد الفيصل شاعر، ورسّام متحمّس، وصديق لولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز. وقد خدم سابقاً كحاكم لمنطقة "عسير" الجبلية والمتقلّبة سياسياً قبل أن يصبح حاكم "مكة". والأهم، من زاوية مستقبله السياسي، فقد برز الأمير خالد كشخصية تُحظى باحترام مختلف أجنحة العائلة الحاكمة، وتتمتع بالقدرة على دفع المملكة بحزم إلى الأمام.
وكما في أي "سيناريو"، فهنالك خيوط غير محبوكة في هذا السيناريو السعودي. فيُتَتوقّع أن يتم إعلان الأمير نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد بعد وفاة الأمير سلطان، أو حتى قبل ذلك. ولكن، يُقال أنه ما زال في حالة نقاهة من إصابة بالسرطان، مما قد يعني أنه لن يصبح ملكاً. أما شقيقه الأمير سلمان (74 عاماً)، وهو حاكم الرياض ويعتبره كل السفراء الأجانب مرشّحهم المفضّل لتولّي العرش السعودي، فيعاني من أزمات قلبية تجعله غير مؤهل للحكم.
ليس معروفاً بعد الدورُ الذي سيلعبه بندر.
وبصفته إبن جارية في بلاط والده، فإنه لا يملك المؤهلات الضرورية ليصبح ملكاً. ولكنه متزوّج من إحدى بنات "الفيصل"، وستتيح له علاقاته في واشنطن أن يصبح حليفاً مهماً لأي ملكٍ مقبل. وداخل العائلة،
سيكون الأمير بندر مؤهلاً لأن يقنع الأمراء الآخرين بخطورة الإنشقاقات في منطقة يزداد فيها التهديد الإيراني خطورةً كل يوم. في خضم الشائعات والتلميحات الكثيرة، فهنالك واقعة ملموسة تحظى بإجماع العارفين: أن بندر بات، من جديد، كلاعب أساسي في السياسات السعودية.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
سيمون هندرسون