ثم تأتي الأم في قلب الصورة، فإذا كان المسيح تحمل من الآلام ما لا يتحمله بشر، وإذا كانت السيدة فاطمة بكت علي ولدها وهو يقتل مطلة عليه من مقعدها في الجنة، فإن الأم احتلت القلوب، وهفت إليها الأفئدة، تستحضرها في أوقات الأزمات والعجز والحيرة، وإذا كان تجلي العذراء يفسر في درجة من درجاته علي أن أم النور تأتي لتفقد أبناء المسيح وتربت علي أكتافهم في أوقات أزماتهم، فإن السيدة فاطمة الزهراء هي الأخري تظهر لتطوف حول ضريح ابنها الذي ذبحوه، وتطمئن من يتبعونه أنهم علي حق.
إن هناك تشابها كبيرا وواضحا في ملامح كل من السيدة فاطمة الزهراء والسيدة مريم العذراء، رصده أحمد لاشين في دراسته الصغيرة، فإذا كان ظهور السيدة مريم بصورة وضاءة، كيانا نورانيا يتحرك فوق الكنائس، أو حمامة تتحول إلي ضياء يملأ الدنيا، فإن السيدة فاطمة هي الأخري تتجلي كما سجل الشيعة علي شكل سيدة ذات وجه نوراني مرتدية ملابس بيضاء أو خضراء، تلازمها حمامة بيضاء ترفرف علي قبة الضريح الحسيني.
الفارق الوحيد بين التجليين، أن مريم تظهر بمفردها أما فاطمة فهي لا تظهر إلا وإلي جوارها فارسها الذي خاض الحرب وهو ابنها، إذ تظهر واضعة يدها علي كتفه.
سيقف المسلمون السنة أمام ما يردده الشيعة عن تجليات السيدة فاطمة الزهراء، فهي بالنسبة لهم ليست إلا بنت الرسول صلي الله عليه وسلم، ليست صاحبة معجزات، لا في حياتها ولا في مماتها، وقد سبق للمسلمين السنة أن رفضوا ظهور السيدة العذراء ...وهو موقف مقبول يتسق مع ماديات الإسلام السني الذي يبتعد عن الغيبيات ولا يتوقف أمامها كثيرا إلا ما يتعلق بشئون العقيدة.
لكن بعيدا عن هذا الرفض، إلا أننا أمام ظاهرة لا ترتبط في الغالب بالحالة الوجدانية والإيمانية للناس، بقدر ما ترتبط بحالة العجز التي يعيشونها، بحالة الاحتياج الملحة علي أعصابهم، والتي تجعلهم يتعلقون بكل ما هو غيبي لعله ينقذهم مما هم فيه.
وكما ظهرت السيدة مريم العذارء لمن أراد لها أن تظهر، وكما ظهرت السيدة فاطمة الزهراء لمن أراد لها أن تظهر، فإن الحسين رضي الله عنه ظهر بهذا المعني، فمن رآه أراد أن يراها، لم يتجل فعلا....ولم يظهر فعلا، لكن هنا من احتاج إليه استدعاه، قد تكون قلوب المحبين لها عيون...لكن العجز الكامن فينا هو ما يجعلنا نصرخ.. أغثنا يا حسين.. وأدركينا يا عدرا...وأنقذينا يا زهراء.. لكن للأسف الشديد أننا نفعل