اعادة صياغة العلاقة بين الامن والمواطن.. بقلم : عبد الكريم انيس
الإحساس بالأمن والاطمئنان نعمة كبيرة ودلالة واضحة المعالم على استقرار نسبي، في العلاقات الاجتماعية والإنسانية في المجتمعات، لا يدرك قيمتها الحقيقية سوى من يفتقد لها في عالم تتناقص فيه درجة الوعي والأخلاق والضمير.
يلاحظ أن الاضطراب وعدم الاستقرار يكون سمة ظاهرة مع أي إخلال بمبادئ مجتمع صحيح الأركان وعليه فإن حصول أي خلل بهذا الجانب سيكون له انعكاسات خطيرة على مستوى أمان الفرد ومستوى استقرار الأوطان.
دعونا نسأل بعضنا بعضاً عدداً من الأسئلة التحليلية, ولنكن حريصين كل الحرص على الإجابة عنها بصدق ولنضع لها التبرير أو التفسير الذي نحسه في دواخلنا كي نتلمس مكامن الخطأ وأن نتحرى الصواب.
هل سبق لك أن مررت بجانب أحد مراكز الشرطة وشعرت بأنك تريد أن تسارع في خطواتك وأن تغادر هذا المكان سريعاً لأن ضربات قلبك قد تسارعت وكأنك مذنب تود الهرب ممن يتابعك بعيونه بشراسة؟
أم أنك تمشي بخطى واثقة مفعمة بالطمأنينة حين تسير بمحاذاة أحد هذه المراكز التي تعتبر صمامات أمان, من المفروض أن تحمي المواطن من تعدي وتجاوز المواطنين بعضهم بعضاً؟
هل هناك علاقة غير مستقرة الأركان تترافق غالباً حيال معادلة الخوف والاطمئنان مردها أنه كلما شعرت بالاطمئنان فهذا يعني أنك في علاقة حميدة مع الأمن المطبق داخل بلدك، وتنعكس الصورة سلباً، كلما تسرب شعور بالخوف مع الشعور بالأمان وكأنها ضريبة ينبغي دفعها عند اختلال الميزان!!!!
العلاقة الصحية بين رجل الأمن المسؤول عن نشر الأمان والمواطن هي علاقة متبادلة ينبغي أن يحكمها الاحترام لا أن يصدعها الخوف الذي قد يؤدي للصدام أو النفور من مجرد إبداء الاحترام.
يلاحظ أنه كلما كان الأمن سائداً، كحق لا أعطية، كفلته كل دول العالم في دساتيرها، فهذا يقود الوطن كي يكون أكثر ألقاً ويعزز في المواطن روح المحبة والشفافية وترسخ لديه الشعور بالمواطنة بشكل أكبر وبذا يغدو حرصه علي بلاده أكبر وأعظم ويسري مسرى الدم في العروق ويتشابك مع روحه لا يغادرها إلا حين الفراق عن دنيا زائلة عارضة.
وكلما كانت العلاقة عكسية بحيث يكون هناك من يقوم بإشعار المواطن بالأمان المزيف ويتعامل مع هذه القضية الأساسية على أنها أعطية ومكرمة شخصية فهذا يجعل الأمان المفترض أشبه بحالة انصياع مؤقت غير ملزم وراسخ داخلياً وغير مأمون الجانب كحالة مرضية كامنة تكاد تبدو تأجيلاً لمرض عضال قد يفاجئ في حالة من الاضطراب ويعصف بكل أوقات الاستقرار عند اختلاف الحالة والزمان.
شهدنا في الآونة الأخيرة في خضم ما ألهب المنطقة من ثورات (تونس، ليبيا، مصر...) أوقاتاً عصيبة من انفلات لأمن كان يُزعم السيطرة عليه بإحكام، فرضته قبضة أمن لم تعرف طريقاً للاحتكاك بمواطنيها سوى بالقسوة والإمعان باستخدام القوة بإفراط، وهذا ما يجعل الأمر ملحاً كي يعاد النظر بهذه الناحية كي تجد مختصين يعيدون صياغة هذه العلاقة, بما يوصنها ويحافظ عليها من أي تصلب أو انحدار.
وعلينا الاعتراف أن هناك خرقاً واستباحة في هذه العلاقة من الممكن أن تكون شرخاً كبيراً في جدار اللحمة بين الوطن والمواطنين في حال لم يتنبه أحد بعد لهذه الحال من اللاحترام.
أعتقد شخصياً، أنه عندما يكون الأمن مرتبط بشخص أو بنظام سياسي معين فقد ينهار بمجرد انهيار النظام و على العكس تماماً تستمر وتيرته كلما كان مرهوناً ومرتبطاً ارتباطاً جذرياً، كما هو حاله الصحيح، بالوطن والمواطن.
إن إعادة النظر في تأهيل هذه العلاقة كي تكون ذات أبعاد صحية بين الحفاظ على أمن الوطن والحفاظ على صيانة كرامة المواطن في حالة أشبه ما تكون بحالة علاقة "أبوية" بمعناها الصحيح الذي يقوم على الرعاية والحرص والعناية التي تلفها الحدود القانونية الدستورية, والتي تكفل الضرب بيد من حديد على أي متعد لحدودها، سواء من القائمين على الأمن أو من المواطنين على حد سواء، في حالة من الاتزان, وتضع حدوداً واضحة المعالم لا يجوز بحال من الأحوال أن يتم تجاوزها لهي ضرورة وأولوية قصوى, ينبغي أن تكون في قمة مهام صناع القرار كي تكون هذه العلاقة أساساً لنسيج اجتماعي ووطني نقابل به التحديات والأخطار الخارجية ونعالج به الفتن ومثيريها, لا أن تكون حالة من الركون المغلف, الذي تفرضه الظروف وينتظر الوقت المناسب للهبوب, ما يجعل حالنا أشبه بالجالس على فوهة بركان يُتوقع منه أن يقذف بحمم تقضي على كل ما يجاورها من حياة وأمن واستقرار.
http://www.syria-news.com/newstoprint.php?sy_seq=131005