كيف ينظر النظام للاحتجاجات : خطوة ساحقة ممكنة ؟؟
بواسطة
admin2
– 2011/04/18نشر فى: غير مصنف
منذ أسابيع تغير حاضر سورية. لم يعد ما قبل أحداث درعا مشابهاً لما بعدها. وسيكون علينا أن ننتظر طويلاً قبل أن نرى جمعة ساكنة، لا تسلط الفضائيات العربية جل وقتها لها. وسيكون وقتاً طويلاً قبل أن تحل هذه الفضائيات عن البلاد بتحليلاتها وتحريضها و«جلسات السمر» حول شؤونها، و«مستقبلها» و«أطياف الشعب السوري» وإلى ما إلى ذلك بصلة أو غير صلة. نحن بالمعنى الإعلامي «في دائرة الحدث»، وطالما نحن كذلك علينا الاعتياد على رنين اسم بلادنا برموزها وإثنياتها وطوائفها متردداً على مسامعنا بإيقاع كريهاً كان أو لطيفاً.
ويبدو أن معظم السوريين بدؤوا يألفون هذا، ذلك أن الجمعة الماضية لم تشهد تظاهرات فقط (لم تعد احتجاجات بالمعنى الحرفي للكلمة لغياب المطالب المحددة) وإنما أيضاً شهدت خروج عشرات الآلاف من السوريين للهواء الطلق والمطاعم، ولاسيما خارج العاصمة حيث يتاح للطبيعة أن تكون حاضرة بقوة أكبر. أمس الأول كسر أغلبية السوريين (وهم من غير المتظاهرين) حلقة الخوف والدهشة التي أحاطت بهم على مدى ثلاثة أسابيع، وقالوا كفى. نريد أن نحيا بشكل طبيعي. هذا يعني أن دورة الحياة استعادت حيويتها الطبيعية، بعد خلل أصابها باضطرابات أحداث الأسابيع الأخيرة. ولكن هذا، وهو إيجابي ومطمئن، يتماشي (وعليه أن يفعل) مع حركة تظاهر تتشكل وتيرتها، وتأخذ ما يبدو أنه منحى ثابت. وسواء كان هذا المنحى تصاعدياً أو تنازلياً فإنه بات أمراً واقعاً في الوضع الراهن. ولكنه واقع علينا تحليله لأنه جديد على حياتنا ومؤثر فيها.
ومنذ يومين دعا الكاتب المعارض ميشيل كيلو على صفحات صحيفة «السفير» اللبنانية إلى حوار وطني جامع، يكون بمثابة حل سياسي لما يجابهنا من أزمة، وذلك لاعتبار هذا الحل هو الحل الوحيد الكفيل بنظره بإخراج البلاد من نفقها الحالي بسلام وطمأنينة تحسب حساب المستقبل البعيد. ونحن إن كان لنا أن نضيف- بتواضع شديد- نرى أن هذه المبادرة، إن تمت، ستكون أخطر ما يهدد أعداء الأمة في الداخل والخارج معاً. وإن كان ثمة ما يخشاه هؤلاء، فهو مثل هذه الدعوة، ونجاحها في هذا التوقيت طبعاً.
السبب؟
بالعودة إلى وتيرة التظاهر، لا بد من التمييز بين مسارين. الأول تخريبي، وفي هذا التوصيف ما يعنيه من الكسر والهدم والحرق والاعتداء على أملاك الغير عامة أو خاصة وإطلاق النار وحتى القتل. وأيضاً التخريب بالشعارات، التي كانت طائفية تماماً في بعض المناطق يوم الجمعة، ومتعصبة بشدة في مناطق أخرى. وهؤلاء ينطبق عليهم التوصيف السلبي، لأنهم يريدون «البناء» على حقوق غيرهم ووجوده المعنوي والمادي. أي إنهم «غلاة الإلغاء» بمعنى آخر.
أما المسار الثاني فهو الذي عبّر عن نفسه في تظاهرات أغلبها سلمي واتخذت منحى شعاراتياً وسياسياً عاماً. وهؤلاء بينهم فجوة طموحات. فمنهم من لا يريد شيئاً مما يمكن للسلطة أن تقدمه. بل يريد فقط ما لا يمكن أن تتنازل عنه السلطة، وهو وجودها كله!
أما المستوى الثاني (ونجزم أنهم أكثرية) فهم من يحدد لنفسه مطالب محددة، ويرى منظوراً لتحقيقها وخطاً زمنياً، وهو لا يتفق مع السلطة تقريباً إلا على أمر واحد. وهو أن الاستقرار في سورية والخوف على تماسك البلاد والشعب يحتاج إلى جهود الطرفين معاًًًً، وبمستوى من الندية والتفاهم في الوقت ذاته. قبول الآخر المنافس باحترام. وهؤلاء الأغلبية نحن في حاجة لهم لأمرين.
الأول لأننا نعرفهم جيداً، وإن اختلفنا معهم أحياناً، وقد اختبروا ودفعوا من حياتهم أقساطاً في مواجهة سلمية تماماً مع السلطة ولم يقبلوا يوماً بالخارج مسانداً.
وثانياً لأنهم من يستطيع أن يحيد الفئة الأولى ممن لا يمكن إرضاؤهم لا بالقليل ولا بالنفيس.
وثالثاً لأنهم جزء من إمكانية إقصاء الاتجاه الأول من المخربين أو «غلاة الإلغاء». وحاجة السلطة لحوار هؤلاء كحاجتهم لذلك معها. كي لا ينفخ أحد صدره بقوة من يرى ضعفاً لدى خصمه. لأن الإلغاء أول ما يصيب المعتدل لكونه لا يجيد التمترس في خنادق رفض الآخر، ولا يمتلك العقلية العدائية أيضاً. لذا ثمة حاجة ماسة لهذه الخطوة. وهي خطوة قاتلة ولكن لأعداء البلاد. وستمثل قفزة للأمام تسبق التوقعات العامة والخاصة. وهذه الخطوة ستكون ساحقة – في توقيتها المناسب- إن ترافقت مع توسيع هامش حريات للحد الأقصى ولاسيما في مجال الإعلام، لكي يأخذ هذا الحوار بعده الوطني العام، استكمالاً لقواعد تشريعية في الإصلاح، فيمهد لأرضية تفاهم عامة ومعلنة على الحد الأدنى من الوطنية، وهو استقرار البلاد وتماسك بنيتها الاجتماعية والدينية

الوطن اونلاين