مخاطر الثورة
(1 من 3)

"Man cannot discover new oceans unless he has the courage to lose sight of the shore " Andre Gide.

"لا يستطيع الإنسان إكتشاف محيطات جديدة دون أن يبتعد عن الشاطئ " . أندريه جيد .

منذ 55 يوما تقريبا عندما طرحت هذا الشريط ، كان الأمل يراودني أن يكون الشريط مواكبا لتطورات إيجابية في مسار الثورة الديمقراطية في مصر ، بل ربما ما هو أكثر من ذلك أن تتقدم الشعوب العربية الأخرى بنجاح على دروب الحرية ، ليس بالضرورة بصيغة الثورة الشعبية كما حدث في تونس ثم مصر ، بل ربما على مسارات أخرى ، فالحرية لها أكثر من نافذة ، كلها تطل على نفس الشمس المشرقة و المستقبل الإنساني الواعد .
و لكني أعود اليوم كي أستعرض ما أراه مخاطرآ تحيق بالثورة ، بل أخطر من ذلك بمصر كلها ، مهددة ليس فقط بضياع الثورة ، بل بمصائب صاعقة تلحق بمصر. أفعل ذلك ليس يأسآ ولا تشاؤما ،فاليأس جريمة عندما يكون الأمل ممكنا ،و لكن محاولة للإسهام في تشخيص المرض و علاجه ، فلأجل هذه الجهود وهبنا الله الذكاء و العلم و الفرصة ، هذه الجهود تنتظرها مصر منا جميعا ، و لم أخذلها أبدآ .
إنني من الذين لا يضعون أحدآ ولا شيئا فوق النقد و التجريح و التصحيح ، و لست من الكتاب المحترفين الذين يبحثون عن مستقبل ( أو حتى ماضي ) ،ولا يعنيني في شيء رأي الآخرين ، سواء كان إيجابيا أو سلبيا . لقد آليت على نفسي دائما ألا أستمع سوى لصوت ضميري الحي ،و ألا أتوخى سوى مصلحة الوطن مصر التي أعشقها فوق كل شيء آخر .
أستشعر في هذا الشريط -كغيره مما أكتب - حرية طائر مقاتل لا يحده سوى الأفق ، بهذه الحرية سأناقش قضايا مصر وثورتها الوليدة ، آخر ما أهتم به أن أتوافق أو اتعارض مع الأفكار السائدة ، فبهذه الروح حصل الفكر الحر على أكثر الموضوعات أهمية وقراءة .
كغيري من المثقفين المصريين تحدثت مبكرا عن السلبيات التي صاحبت الثورة منذ بدايتها ، وقد حددتها في :
1- مخاطر الفراغ الأمني المستمر منذ شهر حتى الآن بلا جهد حقيقي للتغلب عليه .
2- التوقف عن العمل و الإنتاج بدلآ من الإنطلاق فيه.
3- الفوضى و التظاهرات العشوائية و المطالب الفئوية .
4- محاولة القفز على الثورة و استحلابها للحصول على مكاسب شخصية .
5- الإنتقام و تسوية الحسابات .
كان أملي أن تتغلب مصر سريعا على هذه السلبيات ،و لكني أراها قد تفاقمت و أصبحت مخاطرآ حقيقية . فالثورة التي وضعنا فيها أحلاما كبيرة أصبحت مثل عربة يقودها مئات الأشخاص ،وصلت إلى ميدان التحرير ،و لكنها لم تستطع أن تغادره بعد ذلك ، فلكل سائق غاية يريدها ومكان مختلف يتوخاه ، وكي نبرر افتقاد الرؤية و التخبط الذي أصبح عنوانا على ثورة الحرية في مصر الان ، رحنا نلوك عبارات مثل الثورة المضادة وفلول النظام السابق ، و نحن في ذلك نتخلى عن مسئوليتنا تجاه أنفسنا ، و نبني كل مصاعبنا للمجهول الذي لا يحدده أحد . إن وضع المصاعب في رقبة ما نطلق عليه الثورة المضادة هو نوع من تفاهة الصبية الذين يلوكون العبارات المصقولة كاللبان " العلكة " ، لو كان هناك من يقاومون الثورة فمن هم ،و كيف يتآمرون على تلك الثورة بينما هم إما في السجون أو مطاردون خائفون ، أما عن فلول الحزب الوطني ، فكيف ينجحون فيما فشل فيه الحزب الوطني في أوج قوته ؟ ، إننا نعلم جيدآ أن الحزب الوطني لم يكن أكثر من إطار لجمع النخب في النظام البيروقراطي المصري ، بهدف وحيد هو إيجاد صيغة مصطنعة لتبرير ممارسة الحكم لا أكثر .
إذا لماذا تتعثر حركة الثورة المصرية ؟.
هذا هو السؤال الذي يجب طرحه بشجاعة .