كلامك صحيح كمبدأ للسير عليه ، ولكن يتوجب على من يتصدر لهذه المسائل أن يكون صاحب علم شرعي ومتمكن في الدليل الذي يريد أن ينتقده ويقدم بديلاً عنه أيأن هذه المسائل يبت فيها العلماء الذين يدرسون القضية من كافة جوانبها ويعرفون محكمها ومتشابهها كما أنهم يعرفون العام ومتى يخصص والمبين ومتى يجمل وغيرها ، فلو ترك الأمر لأي شخص أن يتحدث وفق هواه لضاع الدين .

لأنك قد ترين حديثاً ما لا يعجبك ، ولكن بعد أن يدرس من كافة الجوانب تتفهميه جيداً ، فالغزالي هو عالم كبير ورجل أفضى حياته كلها في دراسة الدين والفقه والحديث ، فيستطيع أن يعرف محكمات الأمور ومشتبهاتها .

حتى الشخص العادي مثلي ومثلك ، له الحق في النقد والتمحيص ، لأن هذه هي وظيفة العقل ، على العكس تماماً عندما يدرس شخص ما أي شيء ويقتنع فيه ، يزداد تمسكه بالمبدأ المدروس ، بعكس لو قبل الأمر كمسلمة لا يجوز النقاش فيها ، يعني مثلاً تجدين أبو العلاء المعري ينتقد نصاب السرقة الذي يؤدي لقطع يد السارق في بيت شعر مشهور :
يد بخمس مئين عسجد وديت***ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له**** ونستعيذ بمولانا من النار

فرد عليه العلماء ومنهم الإمام الشافعي ببيت مشهور كذلك :
هناك مظلومة غالت بقيمتها *** وها هنا ظلمت هانت على الباري

وقال بعضهم : بأنها كانت ثمينةً لما كانت أمينةً ، فلما خانت هانت .

هذا نموذج من النقد الذي كان متداولاً في العصور السابقة ، صحيح أن النقد ومنهجية النقد اختفت وزاد التشدد في هذه المسألة وخصوصاً بعد توقف عصر الإجتهاد ودخول الأمة في مرحلة التقليد والتمذهب والتقوقع داخل مذاهب معينة ، وجيلاً عن جيلا اختفى النقد وأصبح يحتاج شجعاناً لا يخافون ولا يخشون قول الناس وقول المتشددين ، ولكن يمكن القول بأن الأمة تقريباً لم تخلو من المجتهدين كما أنها الآن بدأت تخطو وتسير نحو التفتح أكثر فأكثر وفتح أبواب الإجتهاد بشكل موسع ، فهو الذي يضمن استمرارية الفقه ومناسبه للواقع والحياة .

أما مسالة لماذا يحرم الله الخمر في الدنيا ويحللها في الآخرة ، فخمر الآخرة ليس مسكراً كخمر الدنيا والذي كانت على تحريمه الإسكار ، لذلك يحرم العلماء أي شراب مسكر سواء كانت خمراً أو نبيذاً أو حتى عصير - لو أدى للإسكار - ، بعكس خمر الجنة والله أعلم .