لا أحد استطاع أن يقترب من حقيقة حزب الله ويفسر سلوكه أكثر من "بهجت". أحييك يا رجل.
ولكني مع ذلك أريد أن أضيف على كلامك ما يكمله ويؤيده ويعطيه بعداً وجدانياً كي نفهم بالفعل مشكلة الشيعة في لبنان، وربما شيعة العرب عموماً.

١
حزب الله ليس عميلاً لإسرائيل، بل عدو لها،
وهو في الحقيقة، وعلى الساحة العربية والعالمية اليوم
العدو الأوحد لها
من بعد الفلسطينيين

٢
حزب الله يؤمن بضرورة إزالة اسرائيل
ولكن
كما قال "بهجت" تماماً
ليس كي يتبنى مشروعاً عربياً
أو إسلامياً عاماً،
بل كي يحول العالم العربي،
إذا استطاع،
إلى عالم ينتظر المهدي،
ويؤمن بأهل البيت،
ويكره ابن تيمية.

٣
حزب الله هو أقوى خلية عسكرية،
من ناحية التنظيم والدقة،
والمهارة والشجاعة في القتال،
من كافة جيوش العرب،
على مر تاريخ العرب بأسره.

لذلك فإن محاربته هي بالضروة
خسارة غبية لقدراته الهائلة،
وسبب لفتنة طائفية أغبى.

٤
حزب الله لن يدين جرائم النظام السوري،
وهنا أختلف عن الأخ "بهجت" في نقاش السبب.

السبب في نظر حزب الله
هو أنه حزب الله نفسه
لا يأمن على سلامة أبنائه وسلامة الشيعة في للبنان
إذا سقط النظام السوري.

سيقول قائل إن تهديد هذه السلامة أتى من سلوك حزب الله نفسه.
نقول له هذا كلام جاهلين.

كان الشيعة في لبنان "الديمقراطية"
قبل الحرب الأهلية
يعاملون كالعبيد!

كانوا أسفل طبقات المجتمع.
معظمهم يعمل في خدمة المزارع
والبيوت والمصانع
التي كان يملكها أصحاب الطوائف الأخرى.

وبالرغم من كل السطوة العسكرية
التي بات يحظى بها حزب الله اليوم،
لا زالت صورة الشيعي اللبناني
ماثلة في عقول العديد من اللبنانيين

صورة الشيعة "النور" المتخلفين،
الذين لا يزالون ينشرون ثبابهم على البالكونات
حتى لو سكنوا أبراج بيروت،
الشيعة الذين لا يعرفون عن الحضارة شيئاً.

بل وفي بيروت،
حتى النازلين من جبل لبنان،
من الدروز والمسيحيين،
الذين بالكاد نزعوا الشراويل والشالات عن أجسادهم،
واستحموا أملاً في تغيير صورهم أمام أنفسهم،
ولبسوا الغرافيتات الحمراء
ونزلوا إلى بيروت الحضارة،
يسخرون ممن يسكن حارة حريك والضاحية الجنوبية،
وهو حي الشيعة لمن لا يعلم.

هذا التاريخ العنصري،
الملازم للديمقراطية الفاشية اللبنانية،
التي كانت سائدة قبل الحرب،
لا يزال قابعاً في العقل الباطن عند شيعة لبنان.
ولا يزال شبح عودة تاريخ المعاناة،
عودة الانتقال إلى مربع العبيد،
بعد أن "أثبتوا" للناس أنهم يستحقون مربع السادة،
يخيفهم في كل لحظة،
وهو بالذات ما منعهم،
وسيظل يمنعهم لفترة قد تطول كثيراً،
عن رؤية معاناة أشقائهم في الوطن والإنسانية.

٥
نعم إن لإيران أجندتها الفارسية التي تلبس لبوساً دينياً،
نعم وأهدافها الاستعمارية،
ولكنك لن تستطيع أن تقنع عبداً تحرر للتو بعد ١٤ قرناً من السجن،
بأنه لن يعود إليه إذا حاول أن ينسى الماضي،
وأن يضع يده بيد من كان جلاده عبر التاريخ.

٦
جميع من في حزب الله،
من أمينه العام وحتى أصغر مقاتل،
يأسفون لما يجري على أخوانهم السنة في سوريا،
ولكن...
هم يخافون بأن يأسفوا أكثر بكثير على أنفسهم،
إذا تحول هؤلاء في سوريا إلى جلادين جدد،
بعد أن ينتصروا في حربهم ضد الأسد المتوحش.

نعم،
المسألة بالدرجة الأولى ليست مخططات سياسية،
ولا مؤامرات إيرانية أصولية مهدوية علوية شيعية،
(بالرغم من وجوده هذه المؤامرات بلا شك)،
إن المسألة بالدرجة الأولى،
هي خوف شعبي يعشعش في الوجدان،
ولا يستطيع أن يرى إلا الخوف من الآخر.
ومع الأسف الشديد،
الآخر هنا هو نحن،
شعب سوريا.