النظام السوري فقد شرعيته الشعبية منذ أن جاء بإنقلاب عسكري في سوريا ومنذ أن ارتكب المجازر والمذابح تلو بعضها ضد شعبه في حماة ودير الزور وحلب ودمشق ، فلا يوجد نظام عربي واحد يمتلك أي شرعية ، سواء شرعية شعبية أو شرعية سياسية أو شرعية ديمقراطية ، وهذه القاعدة تنطبق على كافة الحكام العرب والأنظمة العربية الشمولية ، والفروق بين كل نظام ونظام هي مثل الفروق بين الأحذية الإيطالية والأحذية السودانية .

وما يحصل في سوريا ليس بدعاً أو خروجاً عن نسق الثورات الشعبية التي حصلت في تونس ومصر وما زالت في ليبيا واليمن ، إنما هي جزء لا يتجزء من منظومة ثورية كاملة يتعانق فيها الحلم المصري مع التونسي مع الفلسطيني مع اليمني مع الليبي مع المغربي لكي يتخلصوا من كافة الأنظمة التي تجثم على صدورهم منذ زمن ، فلا يمكن عزل الثورة السورية عن التحركات التي تشهدها المنطقة ، فسوريا لم تكن إمارة اللبن والعسل ولا بلاد الحريات والفضيلة ، إنما كانت جمهورية من جمهوريات الخوف والإستعباد والإستبداد ، ولذلك ثورة الشعب ضد ظلامه هي أمر طبيعي ، بل هي ناموس كوني ثابت ، كل شعب تحرك ضد ظلامه سواء عاجلاً أم آجلاً ، وشعارات الممانعة والمقاومة ليست حجة للظلم ، بل على العكس تماماً المقاومة معناها حب الأرض وحب الشعب الذي يجثوا فوق هذه الأرض ، لأن الشعب هو من يقاوم وليس غيره ، ولذلك تفرض الروح الثورية حب الناس والإنسان وتعطيه قيمة أكبر مما هي عليه واقعاً ، لا أن تستغل أبشع إستغلال لقمع الشعب واسكاته إما بالسجن أو القتل أو الملاحقة .

النظام السوري لم يستحي أن يلصق تهمة العمالة و - توهين الشعور القومي - بفتاة لم تبلغ من العمر 17 سنة وهي طل الملوحي ، ولم يخجل من أن يزعم بأن الخلايا المسلحة في سوريا أرادت سبي وخطف أبناء الضباط ، بل هو يخاطبنا بنفس خطاب السبعينات والثمانينات ولا يعتقد بأن العقل العربي تطور وتفتح ولم يشفع لتوسلات حسني مبارك ولا لتوسلات زين العابدين ولا لإستعطاف القذافي ولا لتباكي علي عبد الله صالح ولن يشفع كذلك لشعارات الأسد .

أما لماذا لا توجد قيادات للثورة السورية ، فلسبب بسيط وهو أن أغلب القيادات المعارضة هي إما في الخارج وإما في السجون وإما لا يعرف ما هو مصيرهم منذ أكثر من ثلاثين سنة ، ولعدم وجود أحزاب معترف بها في سوريا - يا رجل النظام السوري هو النظام الوحيد الذي ينص دستوره بأن حزب البعث هو الحزب الحاكم والقائد في سوريا - ، ولذلك من الطبيعي أن لا توجد قيادات واضحة لهذه الثورة ، ولكنها ثورة شبابية شعبية بدون قيادة ولها أهداف محددة وواضحة ، وهي " اسقاط النظام أو البدء في إصلاحات جذرية كاملة شاملة " .

بخصوص الموقف الإسرائيلي من سوريا ، فالموقف هو موقف متذبذب ، كما هو موقف الدول الأوروبية من الثورة العربية وهو الصمت في البداية ومن ثم صياغة مواقف تنسجم مع النتيجة المفترضة للثورة ، وفي الفترة السابقة بدأ الموقف السوري هو الذي بدأ في مغازلة إسرائيل وهذا بتصريح رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز بالحرف الواحد " لن يكون هناك استقرار في اسرائيل اذا لم يكن هناك استقرار في سورية " ، وما قاله المخلوف صحيح ، لأن نتائج الثورة ستكون كارثية على اسرائيل ، فأي نظام جديد سيتكون من الشعب وسيكون أكثر مقدرة على مواجهة إسرائيل بشكل قوي ، كما أن هناك قوى راديكالية - كما يقال عنها - تعتبر إسرائيل عدواً من الطراز الأول مثل جماعة الإخوان المسلمين وكذلك القوميين السوريين ، وهؤلاء سيصيغون علااقتهم مع قوى المقاومة من ناحية مبدأية لا من ناحية مصالحية كما هو حال النظام الآن .

صحيح أن هناك تخوفات ومخاوف من إستغلال الثورة ، وتجييرها لصالح أهداف أجنبية أو خارجية ، ولكن هذا لا يمنع من استمرارها ، فلا يوجد ثورة في العالم بدون مفاسد ، فكل عمل له مصالح ومفاسد حتى حرب تموز 2006 حققت كثيراً من المصالح - تحرير الاسرى وانهاء الملف مع اسرائيل - وحققت مفاسد ومضار كثيرة - ارجاع حزب الله لما بعد نهر الليطاني وتدمير الضاحية الجنوبية - ، ولو أن كل ثورة أخذت في عين الإعتبار مثل هذه التخوفات لكي تعدم نفسها ، لما قامت ثورة في العالم ، بكل اختصار عصر التدخلات الأمريكية والأوروبية في المنطقة قد انتهى ، وها هي أمريكا تتقزم في كثير من المناطق وتتآكل حتى قدرتها العسكرية الردعية - افغانستان والعراق - وكما أن اسرائيل تواجه مآزق سياسية داخلية وخارجية كثيرة ، ولذلك الثورات الموجودة الآن هي ثورات شعبية تنبع من تطلعات الشعوب العربية ومطالبها التحررية .