مصدر غربي لـ «الشرق الأوسط»:
لا عودة إلى الوراء.. سوريا المقبلة مختلفة تماما
استمرار العلاقة الحميمة مع النظام السوري سيؤدي إلى نتائج كارثية على لبنان خلال شهور
لبناني في درب التبانة بمدينة طرابلس في مظاهرة تضامنية أمس تطالب بإطلاق محتجين سوريين يحتجزهم الجيش اللبناني (رويترز)
بيروت: ثائر عباس
أكد مصدر دبلوماسي غربي أن على لبنان أن يختار بسرعة إلى جانب من سيقف في الأزمة السورية، محذرا من أن استمرار لبنان في «التعامي عما يحصل هناك والحفاظ على العلاقة الحميمة مع سوريا سوف يؤدي إلى نتائج كارثية على لبنان خلال شهور». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «سوريا كما عرفناها قبل اندلاع الاحتجاجات لن تعود أبدا». وإذ أخذ على الزعماء اللبنانيين عدم نظرتهم إلى الأمور «من فوق»، فإنه قال إن استمرار هذا الدعم مع تشكيل حكومة يرى العالم أن المسيطر عليها هو حزب الله أو النظام السوري سيجعل من السهل على المجتمع الدولي أن يضع لبنان وسوريا في خانة واحدة، داعيا إياهم أن «يفكروا في يوم لا يكون فيه النظام في سوريا مثل النظام الموجود حاليا».
وحض المصدر الحكومة اللبنانية على مساعدة الأمم المتحدة في التحقيق في الظروف التي أجبرت مئات السوريين على النزوح إلى لبنان، منتقدا تسليم بعضهم إلى أجهزة الأمن السورية وعدم تقديم الدعم اللازم. وقال «نحن نراقب الأخبار عن هروب السوريين إلى الأراضي اللبنانية بكل اهتمام. وقد سمعنا عن إعادة بعض الهاربين إلى سوريا من قبل القوى الأمنية اللبنانية. بغض النظر عن العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا، لبنان لديه واجبات على المستوى الدولي في حماية اللاجئين والهاربين». وأضاف «كان واضحا بالنسبة إلينا أنه لم يكن هناك اهتمام جدي من قبل الحكومة اللبنانية، ولذلك اقترحنا أن يكون هناك اهتمام أكبر، من قبل الحكومة. ونحن لم نعتمد على وسائل الإعلام في استقاء معلوماتنا، بل أرسلنا وفدين إلى المنطقة لاستقصاء أحوال النازحين».
وأكد المصدر أن «المجتمع الدولي يريد تجنب كارثة إنسانية في شمال لبنان، فما زالت هناك تقارير حول استخدام العنف من قبل الحكومة السورية ضد المتظاهرين من المدنيين في بعض القرى والمدن السورية»، وقال «نحن نعرف أن ثمة أسبابا وجيهة لدى السوريين الذين هربوا من بيوتهم إلى الأراضي اللبنانية. ويجب أن يجري تحقيق في أسباب هروبهم، وعلى الحكومة اللبنانية أن تساعد الأمم المتحدة في هذا التحقيق. إن غياب اهتمام الحكومة اللبنانية بهذه الأمور علنا كان مقلقا ومحبطا بالنسبة إلينا، ولهذا عبرنا عن هذا عبر بياناتنا ووفودنا». ورأى المصدر الغربي أن قيام هيئة الإغاثة بمد النازحين ببعض المساعدات «ليس كافيا»، قائلا إن «المطلوب هو أن نرى رد فعل الحكومة بكاملها عبر وزاراتها المختصة كوزارة الشؤون الاجتماعية، وليس فقط من مديرية واحدة. فهناك جزء من المسؤولية على الجيش اللبناني، وجزء على قوى الأمن الداخلي، وآخر على الجمارك، وكذلك على وزارة الشؤون الاجتماعية. وهذه الأجهزة كلها عليها أن تتعاون مع وكالة شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة»، مشيرا إلى أن «التحسن الظاهر في الوضع شمالا قد يكون سببه إقفال الحدود، لكننا سوف نتابع هذا الموضوع من اليوم وحتى نهاية الأحداث في سوريا».
وقال المصدر إن الرئيس الأميركي كان واضحا في كلمته الأخيرة، عندما قال إنه حان الوقت لبدء الإصلاح في سوريا، أو على الأسد التنحي عن الدرب، مشيرا إلى أنه لم يقل بعد إنه «حان وقت رحيله، ولم يدعه إلى الرحيل الآن، لكنه شدد على ضرورة بدء الإصلاحات وتنفيذ تطلعات الشعب السوري، لكننا لم نر أيا من هذه المطالب قيد التنفيذ بعد». وقال «النظام السوري يقود سوريا إلى مكان لا مخرج منه. سوريا قد تكون البلد الوحيد المعزول في هذه المنطقة. في القرن الـ21 لا يمكن أن يستخدم أي بلد مدافع المورتر والدبابات ضد شعبه. لا يمكن أن نرى بلدا يستخدم هذا الأسلوب العنفي ضد شعبه. من الواضح للجميع الآن في أميركا وفي الاتحاد الأوروبي أن على الحكومة السورية أن تتوقف عن هذا».
وأشار المصدر إلى أن «الرسالة للبنان ولحكومته، هي أن تقرب لبنان من سوريا في هذه الأوقات ليس من مصلحة لبنان. إذا لم تبدأ الإصلاحات، وتواصل العنف والقمع، ولبنان يدعم النظام السوري، فهذا لن ينعكس إيجابا على لبنان في المستقبل. وإذا أصبحت سوريا معزولة ككوريا الشمالية، فكيف سيؤثر هذا على علاقات لبنان مع المجتمع الدولي». وإذ شدد على أنه «لا أحد يطلب من لبنان القيام بشيء ضد سوريا»، فإنه أكد على أنه «على لبنان التفكير في الأمر بصورة أخرى، وأن يقرر السلوك المناسب خلال الأيام والشهور المقبلة،
لأن سوريا في الماضي لن تعود، سوريا من يناير لن تعود. سوريا المقبلة مختلفة تماما، ولبنان يجب أن يدرك أنه لا رجوع إلى الوراء في هذا الأمر. سوريا لن تستطيع مواصلة هذا السلوك».
وأضاف «بسبب العلاقة بين لبنان وسوريا، لبنان لا يستطيع أن يتصور نفسه من دون (الأخ الأكبر) سوريا،
لهذا عليهم أن يفكروا في يوم لا يكون فيه النظام في سوريا مثل النظام الموجود حاليا. لا نقول إنه سيكون هناك أشخاص جدد في الحكم، لكن من المؤكد أن النظام في سوريا لن يعود أبدا كما كان، فالعالم لن يسمح بذلك. وأعتقد أن اللبنانيين - خاصة الزعماء - لم يدركوا ذلك». واستغرب المصدر كيف أنه لا يوجد على التلفزيون السوري من يدافع عن النظام هناك «إلا اللبنانيين الذين يتبارون في دعم هذا النظام»، مضيفا أن «هذا شيء محبط لنا». واستغرب المصدر دفاع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عن النظام السوري وحديثه عن وجود مسلحين. ورغم أنه أبدى تفهمه للموقف المسيحي كأقلية تخاف من حكم الأكثرية، فإنه شدد على أن الحرية بواسطة القمع ليست حرية في نهاية المطاف. وقال «الديمقراطية ليست ديمقراطية حقيقية من دون حماية للأقليات»، وإذ أشار إلى أنه يتفهم كيف أن المسيحيين يخافون من التجربتين العراقية والمصرية، قال «لسنا سخفاء، فنحن نعرف أن ثمة توترات بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة، وهذه التوترات موجودة منذ قرون. لم يحصل شيء في العراق سابقا، هذا ليس بسبب غياب التوترات، إنما الجميع كان خائفا. والنظام الديمقراطي يحمل في طياته حماية الأقليات والتوازن بين الرجل والمرأة.
أنا لا أفهم كيف يمكن للمسيحيين أن يبيعوا مستقبلهم للظالمين. لو كنت مسيحيا في لبنان، لتقربت من الديمقراطيين لا من الديكتاتوريين».
ورفض المصدر التقليل من أهمية العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام السوري، وقال إن «هذه العقوبات فعالة لأنها تتركز على الأموال، والنظام بحاجة إلى المال، لأننا لا نريد للشعب السوري أن يدفع الثمن بدلا من النظام». وأضاف «هناك عقوبات على سوريا منذ السبعينات عندما صنفت كدولة راعية للإرهاب، وقد أضفنا إليها جولتين من العقوبات، وقد تكون هناك جولة جديدة. هذه العقوبات بعيدة المدى وستظهر آثارها مع الوقت».
وقال إن عدم التدخل العسكري في سوريا سببه أن هناك فارقا كبيرا بين الملفين السوري والليبي.. «ففي الملف الليبي كان هناك إجماع دولي، والأهم أنه كان هناك إجماع عربي. أما في الحالة السورية فلا يوجد الإجماع نفسه. فروسيا والصين مثلا لديهما مصالح في سوريا، وهما ترفضان القيام بشيء عسكري على الأرض. الولايات المتحدة لن تتعامل مع كل ثورة في المنطقة بوتيرة واحدة. فكل ملف يدرس على حدة، ونقرر كيفية التعامل مع هذا الموضوع. في سوريا نحن في منتصف الأزمة ولم نقارب على الانتهاء بعد، وكل أسبوع نغير موقفنا بناء على التطورات، وقد شددنا من مواقفنا في غياب التغييرات في سلوك النظام السوري». وفي ما يتعلق بموقف لبنان في مجلس الأمن، رأى أن «هناك عدة مشكلات للبنان في ما يتعلق بالأمم المتحدة، فليست هناك حكومة تدير موقف لبنان في الأمم المتحدة، وقد رأينا ذلك منذ نحو شهر عندما وجدنا إشارات مختلفة من وزارة الخارجية ومن الرئيس». وأردف «قد يكون لبنان محظوظا لأنه لا يوجد شيء بعد في الأمم المتحدة. لكن لبنان لديه مسؤوليات دولية أكبر من علاقاته الثنائية، وعليه أن يسأل نفسه عما هو الأهم للبنان».
ورغم أنه لم يشأ أن يحدد «عواقب بقاء الموقف اللبناني على حاله»، فإنه قال «لا أستطيع التكهن بماهية العواقب، لكن فلننظر إلى اليمن في عام 1991 في أول حرب الخليج عندما دعم علي عبد الله صالح صدام حسين في حربه ضد الكويت، فكانت النتيجة طرد نحو مليوني يمني من دول الخليج. التقرب من الدول المعزولة ليس من مصلحة أصدقاء هذه البلدان. إذا بقي لبنان صديقا حميما لسوريا، وبقي متعاميا عن الأحداث فيها، فهذا ليس في مصلحته. لا أحد يستطيع أن يشرح الفائدة في الدفاع عن نظام قمعي، العواقب للبنان هي عواقب أصدقاء الدول المعزولة. وإذا أضفنا إلى هذا مشكلة الحكومة، بمجيء حكومة تبرهن للعالم أن حزب الله أو سوريا يسيطران عليها، فمن السهل للعالم أن يضع البلدان في خانة واحدة، وهذه نتائج كارثية للبنان».
وأخذ المصدر على الزعماء اللبنانيين أن أحدا منهم «لا يرى الصورة من فوق»، قائلا «قد يكون في المدى المنظور من السهل على لبنان عدم القيام بشيء، لكن على المدى المتوسط والبعيد، بعد المتغيرات المكتوب حصولها، ماذا سيحصل للبنان؟ لا أحد يطلب منه أن يقوم بعمل ضد سوريا، لكن الصمت أفضل. نتائج هذه القرارات سوف تؤدي إلى كارثة للبنان بعد شهور». ونفى المصدر قيام الولايات المتحدة بمقايضة مع سوريا تقضي بتخفيف الضغط عليها مقابل فك ارتباطها بحزب الله وإيران. وقال «نطالب دائما بالتوقف عن دعم حزب الله وحماس، وفك ارتباطهما بإيران، لكن الرئيس الأميركي قال أمام الجمهور إننا غيرنا سياساتنا في المنطقة، فأولوياتنا
لم تعد فقد الأمن والاستقرار في المنطقة، بل أضفنا إليها معارضة استخدام العنف ضد المدنيين، وأننا سوف ندافع عن مجموعة من الحقوق الأساسية للشعوب». وأضاف «سندعم التغيرات الاقتصادية في المنطقة.
سوريا كما نعرفها لن تبقى، فقد تجاوز الأمر نقطة اللاعودة، وستكون هناك تغييرات جذرية تقوم بها الحكومة السورية، وإلا فسيأتي آخرون للقيام بذلك. هذا جزء من أخلاقنا. العرب لم يكونوا قادرين على قراءة الخطاب بعيون أميركية، لكننا عندما سمعنا كدبلوماسيين كلامه فوجئنا، وجدنا أنه قال إنه يجب أن نربط أخلاقنا الديمقراطية بسياساتنا الخارجية. وهذا أمر مختلف عما كان سائدا في عهد إدارات بوش وكلينتون. سوريا إذا أصبحت ديمقراطية لن تدعم هكذا تنظيمات، لأنها ليست من الأخلاقيات الديمقراطية، وهذا من آثار الحرب الباردة ولم يعد قابلا للحياة».
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=623984&issueno=11870