أي باحث او مطلع على علوم الإجتماع، يعرف لما تقوم جماعة ما بمعارضة جماعة ما، حتى وإذا كان الهدف في المحصلة مشترك. بل اكثر من ذلك حتى في العائلة نفسها، ستجد تلك النزاعات لمن يتبوأ المكان الأول ومن الثاني لا تفرق بين اخ واخيه؛ مطمع الصدارة غريزي.
يُروى عن أي شخص اشياء كثيرة، لكن إذا ما قسنا ما يروى على ارض الواقع فسنجد ان معظم ما يروى هو محض تمنيات او آمال، او في معظم الأحيان، نحلٌ لتبرير موقف سياسي يتعلق بوضع ما. وتلك الرواية تقع ضمن هذه الخانة: النحل.
اما بخصوص الوصية لأبي بكر، فالمدقق يعلم ان ما من احد كان يعلم بتلك الوصية إلا أبا بكر نفسه! وإذا كان ذلك فلما حديث القرطاس؟ يكتب لهم كتاباً لن يضلوا من بعده —لاحظ كلمة يكتب من النبي "الأمي"— ولما اتهامه بأنه "يهجر" أي يخرف ويهذي؟ وإذا كان من وصية فلما اجتماع السقيفة اساساً، ولما الخلاف بين الأنصار والمهاجرين؟ ولما عُزل بنو هاشم عن الإجتماع؟ وماذا قال ابن الخطاب: "إن خلافة ابي بكر كانت فلتة وقانا الله شرَّها" —لاحظ كلمة فلتة وكل دلالتها، من خطفة ووثبة على الشيء، والأخذ على فجأة؛ وفي لسان العرب لإبن منظور يذكر هذا الموضوع على قضب.
أما بخصوص "الكليشة" اللاتفضيلية إلا بالتقى، فأعيدك الى حديث السقيفة واقرأ كِلا الخطابين، لإبن ساعدة —الذي اغتاله جني (!؟) بعد مشادته مع ابن الخطاب— ولأبي بكر، ولاحظ بعد كم كلمة سيصمد "كليشة" اللاتفضيل، في الخطابين —مع التركيز على كلمة الأرض وما تعنيه للبدوي العربي.
اما الكلام عن ان الحكم ليس الهدف، فهذا ضحك على الذقون، ولن يصمد برهة امام مفاصل التاريخ واحداثه. الإسلام ليس تبشيري، ليس مانوي ولا براهمي —تلك اديان ترفض الحكم وتدعو للأخلاق والتقية والراحة النفسية كسبيلاً وطريقاً للبشر في العالم—، اما الإسلام فلم يدعو الا الى الحكم. وإلا لماذا كل تلك الحروب؟ والفتوحات؟ هل التبشير يكون بالدم وبظلال السيف؟ وهل التبشير يكون بتعليق صحيفة المعاقل على السيف؟ —مع كل ما دلالات هذه اللمسة النبوية. وقد وضح هذا الأمر محمد بنفسه حينما قال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ — الرحمة مقرونة بالطاعة وعَنِّ الرؤوس، ومع ذلك يوجد فيها اخذ ورد، فحتى لو اطاعوا فقد يُرحموا وقد لا يُرحمون، ذلك يتوقف على الله ورسوله الحاكم بأمره في الأرض.
الإسلام مبغاه الحكم لا غير، ولهذا السبب يشدد الإسلامويون على دين ودولة؛ فلا هدف سوى الحكم، وقد قسمت التركيبة الإجتماعية لهذه الدولة منذ السقيفة ومازال الإسلاميون يستحضرونها في كل حين. في الإسلام هناك قوم انعم الله عليهم بشرف الحكم، وقوم انعم الله عليهم بشرف المحكومية والرعية —وانطلاقاً من هنا لا يحق لمن انعم الله عليه بأن يكون من الرعية والمحكومين، ان ينتفض او يدافع عن حقه المنهوب؛ ذلك خروج عن الملة وعن حكم الله ورضاه وبالتالي يصبح كل من يريد ان يكون حراً، كافراً... المعادلة سهلة جداً، وواضحة جداً. وقد تم حقن هذا التراتب الإجتماعي الإسلامي في النفوس، فبات لا يجرؤ احد من الرعية ان يفكر ان يخطو خطوة الى الأمام، مخافة اغضاب ربه وولي الأمر —المختار من الرب. وبالتالي ستجد الكثير من التعليقات مؤخراً التي تنبع من عقلية العبد، مثل "انعم الله علينا بالإسلام"؛ "الحمدلله على نعمة الإسلام"؛ "احمد الله اني ولدت مسلماً"؛ "اللهم ابعد عنا فساد وحرية الكفرة"... وهم لا يكذبون، بل يصدقون ما تتفوه به فيهم. ويعتبرون الخضوع والعنَّة احد اهم ركائز الإيمان: فالله ملك والملائكة عبيد له، نفس التقسيم على الأرض: الرسول ملك الرعية والمؤمنون طيع لحكم الملك كالرعية المباركة، ولكل اولياء الأمور من ملوك وسلاطين وامراء ورؤساء. ولسان حال الرعية يقول كما قال أبو الطيب المتنبي:
فمِر وأومئ تُطَع قُدِستَ مـن جـبـلٍ،،،،،تَبارك الله مُجرى الروح في حضنِ
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
