أستكمل ردي على الزميل كايروس فيما يتعلق باندماج المسلمين .
قضية اندماج المسلمين مع غيرهم لا ينظر لها وفق هذا الشكل بل ينظر لها في سياقها وظرفها الطبيعي فقبل كل شيء ماذا يقصد بالاندماج ؟ وكيف يكون الاندماج ؟ وهل الاندماج يعني أن يتخلى المسلم عن هويته وثقافته الإسلامية ؟
فمن حق أي جماعة أن تطالب بحقوقها وأن تحفظ خصوصيتها التي تميزها عن غيرها ، وهكذا المسلمين لديهم عادات وتقاليد يحافظون عليها ويطالبون بضمان حقوقهم وحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية والثقافية ، ونظرة الغرب للاندماج فضلاً عن نظرته لبعض الأمور لا تعني المسلمين بشيء ، فنحن لنا ثقافتنا التي تختلف عن ثقافتهم وخصوصيتنا التي تختلف عن خصوصيتهم وهذا حقنا ولا يجوز لأي قوة في الأرض أن تمنع عنا هذا الحق ، وأظنك في أحد النقاشات قلت بأن العلمانية تعطي الحق للمسلم أن يعبد الله وللمسيحي أن تكون له كنيسته وغيره ، والآن أراك تحاول أن تفرض الرؤية والثقافة الأوروبية بغثها وسمينها على المسلمين والمجتمعات الإسلامية لكي يدمجوا في المجتمع الأوروبي ..!
فمن تدليس المقال الذي نقلت هو إحدى الفقرات التي تتحدث عن مطالبة المسلمين بتشويه الأعضاء التناسلية والختان ، فالختان لا يوجد فيه تشويه للأعضاء التناسلية ولا ما يحزنون ، ولا تعنينا النظرة الأوروبية للختان ، فعلى ما أعتقد مليار ونصف المليار من الذين ختنوا ويختنوا أعضائهم التناسلية غير مشوهة ، فضلاً عن كون منظمة الصحة العالمية طالبت بالختان كنوع من الوقاية من مرض الايدز "
هنا " ، كما أنه يتحدث عن مطالبة المسلمين بجرائم الشرف مع أن الاسلام يحرم هذا النوع من الجرائم ، ولكن حتى وإن سلمنا جدلاً بموافقة الاسلام على هذه الأفعال ، إلا أن وجود المسلمين في أوروبا والمصنفة فقهياً على أنها دار كفر يمنع من إقامة الحدود هناك ويبيح لهم التعامل بالربا في بعض الحالات ، فهذا مثال بسيط على التدليس واللغط الذي يمارس بحق الجاليات الاسلامية في أوروبا والغرب عموماً .
ثانياً : هناك فرق بين الانصهار الكلي وبين الاندماج وبين الانفتاح على الآخر ، فالأول يعني اتحاد جماعة ما في الأفكار والمطالب والمبادئ ، والانفتاح لا يعني بالضرورة ذلك ، إنما يعني التعامل الجيد والحسن مع الآخر مع الاحتفاظ بالخصوصية وهناك قاعدة في الإسلام اسمها " ا
لحفاظ على الذات والانفتاح على الآخرين " ، فمن حق المسلمين أن يرفضوا المثلية الجنسية ومن حقهم أيضاً أن تخرج نسائهم بالحجاب الشرعي ومن حقهم أيضاً أن تكون لهم مدارسهم الخاصة لتعليم العلوم الشرعية الإسلامية ومن حقهم أيضاً أن يطالبوا بمنع الاختلاط في مراكزهم وتجمعاتهم ومن حقهم أن يرفضوا شرب الخمور والمسكرات ، هذا حقهم الثابت الذي لا يمكن لأي شخص أن يحجر عليهم فيه ، فلو جئت بأي جماعة ووضعتها في مكان يختلف عنها في كل شيء فمن الطبيعي أن تكون لها خصوصية تختلف عن غيرها ولكن العبرة ليست هنا ، العبرة بالانفتاح والتعامل والمساعدة في البناء والتطوير ، فهناك خلل في أفكار العلمانيون الجدد تؤدي بهم إلى نوع من الديكتاتورية الفكرية والثقافية ، وهذا من أسوء أنواع الديكتاتوريات وأكثر تقززاً .
ثالثاً : كما أنه من الطبيعي جداً أن يتجه المسلمين نحو المزيد من الخصوصية التي فرضها عليهم الواقع وفرضتها عليهم السياسة الغربية ، فالمسلم لا يمكن له أن يوافق حكومة ترتكب المجازر في العراق وأفغانستان ، كما أنه لا يمكن له أن يوافق حكومات تساعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، فالسياسة الغربية تجاه الشرق الأوسط فضلاً عن السياسة الداخلية ضد المسلمين تسؤدي لمزيد من الانغلاق عند الجاليات الإسلامية وهذا يندرج تحت القاعدة التي ذكرتها سابقاً " لكل فعل ردة فعل " ، وها انت نقلت بأن القادة الأوربيين يتعاملون مع المسلمين على أنهم مهاجرين لا أكثر .
رابعاً : بخصوص قبول الدول الأوروبية للمهاجرين المسلمين ، فالأمر لا يخضع لهوى أوروبا أصلاً ، فضلاً عن كون هذا الأمر ليس ميزة انفردت بها أوروبا عن غيرها ، فالحضارة الإسلامية والخلافات الإسلامية السابقة فعلت نفس الأمر وآوت المضطهدين اليهود من ظلم الديكتاتوريات الأوروبية ، فضلاً عن كون جامعات الأندلس وبغداد كانت تعج بالطلاب الأوروبيين ، كما أن الدولة الإسلامية أعطت لكل جماعة الحق بالتحاكم لقوانينها وأنظمتها الخاصة بها مع احترام مبادئ الدولة العامة ، وهذا الأمر لم يكن بسبب حاجة الدولة الإسلامية للأيدي العاملة ولا لكون الدولة الإسلامية في ذلك الوقت كانت تعاني من شيخوخة عامة وقلة أعداد الشباب أو لحاجتها للأيدي العاملة الرخيصة ، بل لأن الدين الإسلامي يحضهم على ذلك بكل تلقائية .
خامساً : صدقاً يا زميلي أتمنى من أوروبا أن تغلق أبوابها في وجه المسلمين وأن تطردهم من بلدانها ، فحينها سيضطرون رغماً عنهم للاعتماد على الذات والبدء في مشروع نهضوي يحقق لهم ذاتهم وكرامتهم ، وأتمنى أيضاً أن يمعنوا في شتم النبي والمقدسات الإسلامية وجرح مشاعر المسلمين في كل وقت وحين ، لأن هذا كفيل لأن يزيل الغشاوة عن الحضارة الأوروبية ذات الأنياب التي تقطر بالدماء ، كما أنه سيساعدهم بدون أن يشعروا على زيادة رصيدهم المعرفي والثقافي تمهيداً لبناء مشروع إسلامي فعال .
سادساً : حديثك عن الثورة الفرنسية لا يعنيني بشيء ، فالثورة الفرنسية ليست صالحة لكل زمان ومكان ، أنت تريد أن تطبق الثورة الفرنسية ونحن نريد الاقتداء بطريقة النبي صلى الله عليه وسلم بالتغيير وصنع الدول والخلافات والنهضات ، هذا أمر يخصنا ولا أحد لديه الحق في منعنا من ذلك .
الخلاصة "
نحن ننفتح على الآخرين وفي نفس الوقت نحافظ على ذاتنا " .