عزيزى كاريوس
ليست كل الدعوات تجاب حتى لا يسير الكون وفقا لهوى مليارات من البشر فينتهى لفوره ، ولكن عن تجربة حدثت اجابة الدعاء معى اكثر من مرة فى حياتى بصورة لا توافق منطق سير حياتى وساهم فيها العمل واتى بنتائج أكثر بكثير من المفروض ان يكون.
لن استطيع اقناع احد باجابة الدعاء ولكننى اثق فيه عن تجربة ولم يحدث ان دعوت بدون عمل وانتظرت الاجابة، فهذا يخالف صدق الدعاء. فالدعاء يجب ان لا يكون بلا عمل وبلا مخالفة للاسباب ولكنه يأتى بأكثر مما يستحق عن هذه الاسباب.
===============
وأعود لما طرحته فى مداخلة سابقة بأسلوب رائع يعجز قلمى عن مجاراته فى عمقه ولكنه يطلق عنان الروح لتعيش فى لحظات تفكير جميلة صوفية تثير فى قلبى مخاطبة العقل والشهادة بأن لا اله إلا الله واسمح لى يا عزيزى ان اعلق على بعض النقاط التى طرحتها.
اقتباس:لكن طابع العالم ما هو سوى الفوضى الأبدية، فوضى شائعة ممتدة أبدياً، تصيبها بين حين واخر ومضة استثناء. لأنه لا يوجد اصلاً قوانين او نواميس طبيعية؛ إنما ضرورات؛ فالكون ليس بحاجة لآمر أو لناهي أو لمتربص.
كيف نملك الحكم بأن ما يسود الكون هو الفوضى ؟ فهل نحن بأحجامنا الغير مرئية بالنسبة للكون وبعقولنا التى تعجز عن الاحاطة بالكون نعتقد انها الفوضى.
أم أننا مثل خلية فى الجسد وقفت أمام الإنسان تنظر له وهو يجرى ويتمرن ويعمل ويأكل ويهضم ويبنى خلايا جديدة وينمو ؟ هل لو وقفت تلك الخلية امام انسان تحاول ان تفهمه ، هل ستسطيع ان تدرك اهمية ما يفعله هل تدرك أهمية الشرايين او اهمية الطعام او أهمية العظام وأهمية الانحناءات الشديدة الدقة فى العظام ، هل ستفهم معنى تناول الطعام وعملية الهضم ... إلخ.
هذا هو مبلغ علمنا عن الكون ، فكيف نحكم عليه إن كان فوضى أم لا ؟
إن رؤيتى للكون هو أنه كائن حى ولكنها حياة بمنطق يختلف عن حياتنا ، حياة تقوم على خلق المادة ثم إدخالها فى منظومة تنمو باستمرار ، وهذا الفهم للكون لا يخالف المفهوم القرآن حيث يقول الله سبحانه وتعالى ان كل شئ هالك إلا وجه الله ، والهلاك كلمة تعنى الموت فى معناها ، وقد أثبت العلم الحديث ان الكون سيموت ، وتوجد أفلام وثائقية علمية تناقش فكرة موت الكون بانكماشه على نفسه وانهياره.
وأؤمن بأن الله هو روح هذا الكون ، هو سر الحياة وسر الوجود ، ومن روحه كان كل شئ، وما يحدث فى الكون من عمليات انفجار وموت نجوم وإنشاء أجرام جديدة وسدم هائلة ما هو إلا عملية الهدم والبناء فى الكون والتى تمثل عندنا عملية موت الخلايا ونشأة خلايا جيدة وبناء انسجة ونمو دائم ووجود للأنسان ، او بصورة أخرى مثل الدورة البيئية الكاملة للحياة على وجه الأرض.
كل شئ حى وكل شئ سيموت ولكننا لا نعلم حياة كل شئ ولا نعلم كيفية موته وكيف يتحلل لينشأ عنه كائن جديد بمواصفات مختلفة ، إنها نوع من الحياة التى لا نفهمها ولكنها يمكن تتبعها عبر مليارات السنوات.
ومثل هذه المفاهيم تسود فى الإسلام حيث يعلم الله مستقر كل ذرة ودورة حياتها فى أجسام مختلفة ، وهذا المفهوم سائد فى الفيزياء حيث أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم. ومن اسماء الله الحسنى المبدى والمعيد ، فهو يبدأ الشئ ثم يعيده بصورته او بصورة اخرى. وهو البديع الذى يبدع فى صنعته وهكذا ..
وبالنظر فى أنفسنا نجد أنه لا مجال للفوضى فى حياتنا بل كل شئ له سبب ولكننا ذوى مساحة اكبر فى اختيار الاسباب التى نأخذ بها. فنحن ننظم مواعيد نومنا من اجل ان تتوافق مع اعمالنا وهواياتنا ونحن ننظم لأنفسنا حياتنا وتوفير غذائنا وفى النهاية نجد انفسنا نسعى لتنظيم كافة اوجه حياتنا.
وهناك تنظيم لا نتدخل فيه يتعلق بعمل اجهزة الجسم فى نومنا او يقظتنا ، فلا مجال للفوضى فى اجسادنا ولا فى حياتنا.
والله هو الثابت الدائم المنظم الذى لا يعرف الفوضى بل كل شئ يسير وفقا لما رسمه هو من قبل بأسلوب النظام ، فلو لم يكن عنده نظام لما استمر مليارات السنوات نظامه الذى وضعه ويخبرنا أنه سينتهى يوما.
ونظام الله فى الكون كما اخبرنا هو ليس كرها بل طوعا من العناصر المكونة للكون ، فهى تدار بالرغبة فى الطاعة من ذاتها ولكننا لا ندرك كيف تسير المنظومة.
قد تضحك وتقول وهل سألتها ؟ لا لم أسئلها ولكن قلبى يحتاج الى ما يشبه الميكرسكوب ، فلو هناك اكثر من ألف شخص أكدوا لك وجود كائنات حية بالماء الذى تشربه لما صدقتهم ولكن لو نظرت بميكرسوب متقدم لرأيت مخلوقات تسبح فى الماء ستدهشك رؤيتها. والميكرسكوب الذى استخدمه هو كتاب الله وسنة رسوله.
ولا أسألك عن التصديق بما يعجز الدليل على اثباته ويستحيل على العقل تصديقه ولكن اسالك فى كل ما حولك هل هناك فوضى مطلقة أم هناك نظام نلمحه دائما فى الكون وفى أنفسنا ؟
اقتباس:ومتى علمت أن ليس هنالك من هدف؛ من غاية، ستعلم بأنه ليس هنالك من صدف —فالصدف تقتضي غايات حادت عن دروبها—. كما انه ليس هنالك من نقيض يناقض نقيض؛ فلا حياة بعد هذه الحياة، كما لا الموت نقيض الحياة، كما لا الليل نقيض النهار، فلا وجود للنهار من الأساس! —هذه ليست سوى أوهام، جعلتنا نبني عليها اوهاماً أكبر! الحياة ليست سوى شكل من أشكال الموت؛ شكل نادر الحدوث، لكنه مجرد شكل، لا أكثر ولا أقل. فليس هنالك من إمتحان؛ إختبار... وبالتأكيد ليس هنالك من حساب؛ ولا دار شقوة ولا دار رشاد.
إن مفهوم كلمة الصدفة او التصادف او المصادفة ، تأتى من الصدف (محار اللؤلؤة) حينا يتصادفان يتلاقيان وصار منها الاعراض والتباعد وصار منها التلاقى والإيجاد. ومنها الاعوجاج عن القوامة والاستواء.
وأعتقد انه من الخطأ أن نطلق لفظ صدفة على ما نراه حدث بدون سبب ، فلا يوجد شئ يحدث بلا سبب حتى وإن كان خارج عن ارادتنا او عن علمنا ولكنه له سبب. فالمصادفة هى ان تجد ما تبحث عنه او تحتاجه دون ان تبذل انت الاسباب لهذا وهذا يعنى عدم الاستحقاق ولكن لا يعنى انعدام الاسباب.
لا نستطيع ان نثبت أن هناك حياة بعد الحياة او هناك جنة او نار ، ولكن نستطيع ان نثبت أن هناك إله أم لا وعند إثبات هذا نصدق ان هناك جنة ونار.
وعند حديثك عن الغاية يحضرنى هذا التفكير الذى مر بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حينما بحث بمفهوم عصره عن غاية أو هدف يدوم ولا يأفل ؟ حسنا فإلهى (غايتى) هو العيش الرغد ، ولكن عندما يموت إبنى او يداهمنى المرض سيأفل إلهى الذى أعبده بالنسبة لى وإنى لا أحب الآفلين.
فليكن إلهى هو (التقدم العلمى) ولكن حينما اكتشف قنبلة هيدروجينة يموت بمقتضاها آلاف البشر او ملايين سأزهد فى إلهى هذا وسيأفل بالنسبة لى، وأنا لا أحب الآفلين.
يجب أن لا يأفل إلهى ، فيجب أن أبحث عن غاية لا تأفل وهنا وجدت الله.
وإن لم يصبح لى غاية من الحياة فسأقتل نفسى بسهولة جدا عند الكوارث أو أستسلم لفكرة أن غرائزى تحركنى بدافع حب البقاء ولكن هذا الدافع قد حده الله بأن دفع الناس بعضهم ببعض بأن جعل كل قوى يضعف ثم يقوى ثم يظهر من هو أقوى منه ولم يجعل الكائنات الحية وخاصة الانسان تستطيع الاستمرار بنفس الخاصية سنوات طويلة وهذه جعلها فى الانسان ومنتجاته كلها من علم وحضارة وجعلها فى كل مخلوقاته ، لا تدوم لها نفس الخاصية لأن الدوام لله فقط.
نفس مراحل التدرج فى الغايات قد مر بها سيدنا ابراهيم فبدأ بالغاية الاقل فالاكبر فالاكبر ولكنه ادرك انها لا توجد غاية تدوم بل يجب من غاية غير منظورة لا تأفل ، لأن الطبيعة البشرية تزهد فى الغايات المدركة او تتوحش فى البحث عنها وامتلاكها.
اقتباس:إنما هنالك أبواب صدئة قد أغلقت وسدّت ووضع عليها اقفالٍ مخطوطة بماء الذهب؛ تبيح وتستبيح وتنهيك عن الدخول، عن كسر الأغلال... عن إنتهاك ما تدّعي انها اراض حرم.
نحن أنفسنا نضع الابواب ونضع عليها الاقفال المخطوطة بماء الذهب ممثلة فى القوانين ، نحن أيضا نضع اراض حرم نلزم أنفسنا بإحترامها حتى نستطيع العيش داخل مجتمع متناغم وكلما زادت القوانين احكاما صارت كالنسيج القوى لا يتسرب منها المجتمع بسرعة ، ولكننا نعجز عن الاستمرار فى المحافظة على تلك القوانين بنفس قوتها فينهار المجتمع ويظهر مجتمع آخر فى نفس المكان بنظام جديد وهكذا انظمة تتفاعل مع بعضها وحركات هدم وبناء متتابعة ، تستمر الحياة بوجود اراض حرم وتنتهى الحياة بإنتهاك الاراض الحرم ، وليس غريبا ان يجعل الله اراض حرم لأننا نفعل هذا من تلقاء انفسنا من خلال فطرة الله التى فطرها فينا.
وتقبل مودتى.