{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
آراء في اشهر الآراء : فريدريك نيتشه ..
Kairos مبتعد
مع فرعون ضد موسى
****

المشاركات: 464
الانضمام: May 2011
مشاركة: #3
RE: آراء في اشهر الآراء : فريدريك نيتشه ..
الزميل الوراق،
هل ترضى أن ينتقدك أحدهم دون أن يكون قد قرأ لك شيئاً؟ —هذا ما تفعله الأن، تنتقد دون أن تدري ماذا قال الرجل وما هي خلفيته. أن تقرأ تلخيصاً عن حياة الرجل، لا يعني أنك بتّ تعرف الرجل. أن تقرأ تلخيصاً مبسطاً مكتوباً بنظرة إسلاموية دينية عن فلسفة عدو الدين، لا يعني أنك صرت تفقه فلسفته. لذا وكما هو واضح لي تماماً في ما نقرته أناملك على لوحة مفاتيحك، فإنك يا عزيزي لا تعرف شيئاً لا عن نيتشه ولا عن فلسفة نيتشه. فتحمّل ردي، فلقد وضعت نفسك في وسط المحيط ولا تملك سوى طوفٍ من جذع شجرة سدرٍ نخرة.

ما الفن: الفن بالمفهوم الفلسفي يمر عبر عدة مراحل، ولكن، كما أوضح نيتشه نفسه، الفن —وهنا نميل إلى التعبير الأول والأخير للإنسان، الأصوات، الموسيقى— هو تعبير عن التراجيديا الإنسانية؛ التراجيديا، ليس فقط كمأساة بشرية، بل كنضال وتحمل للمصائب والأهوال والإنتصار عليها وإن كانت ستؤول الأمور لهزيمة الإنسان عاجلاً أم آجلاً. من كتابه الأول وعنوانه الأول "ولادة التراجيديا من روح الموسيقى"، كان نيتشه واضحاً فيما يقصده من الفن كأبلغ تعبير عن روح الإنسان. ولكي نفهم نيتشه والفن عند نيتشه، فيجب أن ننكب على كتب نيتشه لنستخلص منها مفهومه "الديونيزي" للوجود الإنساني في هذا الموقع من الكون؛ وفهمنا لفلسفة إنسانٍ ما لا تكون عبر مطالعاتنا لناقديه المأفونين، وعديمي الإطلاع والنوكّى معدومي الثقافة. —من يقرأ نيتشه في كتابه الأول —ولادة التراجيديا— يرى بوضوح أنّ هنالك عملاقين يحوما حولّ الكتاب: آرثر شوبنهور وريتشارد فاغنر. آرثر شوبنهور، آخر المثاليين وأشملهم علماً، تشاؤمي الرؤية، عدمي الهوى، عقلاني المذهب؛ رأى في الدنيا مجرد أسراب آلام تتدفق على وعي الإنسان لتحيطه بمأساة ومعاناة لا تنتهي إلا بانتهاء الوعي كاملاً —أيْ في الموت—. وفي عمله الرئيسي —العالم كإرادة وتصور— أخذ المذهب الكانطي —رغم نقده وإسقاطه لإحدى عشر من الإثني عشر أوامر ناهية في فلسفة كانط— وبهذا الأمر كان وفياً لمعلمه كانط ولمثله الأعلى أفلاطون ومن ورائه سقراط. لن نفهم نيتشه إذا لم نفهم شوبنهور أولاً والفلسفة الإغريقية القديمة ثانياً. ولن نفهم شوبنهور إلا إذا تمعنا في فلسفة كانط وعالم المثل الأفلاطوني الذي يقبع في خلفية كل الفلاسفة المثاليين على مر العصور. لذا زميلنا الوراق، إرتكب خطيئة فادحة، فكونه أولاً لم يقرأ نيتشه جعله جاهلاً بكل ما قبل نيتشه، ونقد زميلنا الوراق، لا يعدو إلا كنقض البعوضة للجبال؛ فلا الجبال تشعر، ولا البعوضة تعرف ما هي الجبال. —
إنّ تركيزنا على شوبنهور أساسي لفهمنا للعلاقة التي تجمع هؤلاء الثلاثة —شوبنهور، فاغنر ونيتشه—؛ فصداقة نيتشه بمن إعتبره ملهمه وعدوه، فاغنر، ما كانت لتتم لولا أن القاسم المشترك بين الإثنين هو أنهم تلاميذ شوبنهور. ففاغنر الموسيقى العظيم، أحد تلامذة شوبنهور المتشائمين، وكانت موسيقى فاغنر الأولى تعبيراً عن فلسفة شوبنهور المتشائمة وعن روح التراجيديا الهيلينية التي لا تطلب سوى المجد في الحياة.
فمنذ سماعه ل"رينزي" (Rienzi) ثم ل"حامل الخواتم" ول"سيغفريد" و"فالكيري" أُخِذَ نيتشه بموسيقى فاغنر التي إعتبرها، تعبيراً عن الروح "الديونيزية" الثائرة التي تنتفض على العقلانية المنحطة "الأبولونية" التي إجتاحت العالم منذ سقراط وأودت إلى خراب البشرية عبر تمرير الدين كبوابة للحقيقة؛ الدين كملجأ للمظلومين؛ الدين كخلاص من مصاعب الدنيا؛ الدين كنور العالم الذي تشتهي له أنفس من سكنوا غار أفلاطون —راجع كتاب الجمهورية لأفلاطون الجزء السابع—. أمام هذه العقلية التي لم تأت سوى بالخراب على الإنسان، كانت الموسيقى الفاغنرية بعودتها للأصول الوثنية الألمانية إلى (Nibelungenlied)، إلى الـ(Volsunga)، بصيص أمل لأوروبا بغدٍ أفضل، وهنا يأتي دور نيتشه —الذي نجح بالفعل بنقل أوروبا من سلطة الكنيسة إلى سلطة الإنسان—. لكن ما الموسيقى والفن عند نيتشه وعند فاغنر؟ إنهما موسيقى شوبنهور. ما موسيقى شوبنهور المتشائم؟ إنه هو القائل: في ظلِّ المعاناة والمأساة اليومية للإنسان بصراعه المرير بين الإنقياد للإرادة، إرادة الحياة، وبين التحرر من هذه الإرادة، يجد نفسه الإنسان في غرفة مغلقة مظلمة لا مخرج منها سوى بالموت؛ فتأتي الموسيقى، المتحررة من إرادة الحياة، القائمة بذاتها، دون طمع، دون خوف، دون رغبة، دون ريبة، تأتي لتفتح نافذة ضوء في تلك الغرفة المظلمة التي إسمها الحياة، فيتنفس الإنسان قدراً من الحرية ولو ضئيلاً يكفيه ليتحمل الظلام الحالك الكالح الذي أُغطِشَ على وجوده، بفعل الإرادة أولاً، والدين ثانياً. —


لكن ما دخل الموسيقى بنيتشه والإغريق؟ وما علاقة أبولو إله العقل وديونيزوس إله الخمر بكل ذلك؟ —نعود إلى اليونان القديمة؛ ما هي التراجيديا في المفهوم الإغريقي؟ التراجيديا هي "أغنية الماعز"؛ سُميَت هكذا لأن من كانوا يلقوت أغانيهم —الحزينة— كانوا يرتدون أزياء ماعز وأقنعة الماعز؛ وكانوا يسمونهم الـ(satyr)؛ وللساتير إرتباط وثيق بـ"ديونيزوس" إله الخمر؛ فهم الـ"ساتير" مغنوا الـ(tragon oide) والتي منها إسم تراجيديا، كانوا المسؤولين عن إلقاء الأشعار والأغاني في ال"ديثريرامبوس" الديونيزي —الديثريرامبوس هي أغاني وأشعار وقصائد تقدس الإله ديونيزوس، وتمجد الفرح والحب والسعادة والبهجة الإغريقية في أحضان الطبيعة، في أحضان الأرض— لذا ديونيزوس الرب بمعنى ما، كانَ رسولاً لحب الأرض والحياة —وهنا يصوب نيتشه سهامه، على هذه النقطة بالذات عند الإغريق—. ولكي نفهم تأثير التراجيديا في النفس البشرية وفي الحياة اليونانية أنذاك، علينا التعمق أكثر بشعائر اليونانيين وعلاقتهم الإجتماعية وبالأخص علاقتهم بالدين الأورفي-الهوميروسي-الهزيودي. لكن وقتنا لا يحتمل، ولست مستعداً لسرد الميتولوجيا اليونانية ومعانيها وفلسفتها، لكي نستخلص ما معنى التراجيديا والفن بالنسبة للإغريق والبشر عامة؛ لذا سألقي رؤوس أقلام ومفاتيح والمضي في الطريق يكون على عاتقك. "اسخيلوس" البداية، بعد أن قام برفع عدد الممثلين في مسرحياته من واحد إلى اثنين فثلاث، فأربع؛ وعلى نفس النسق مضى "سوفوكلس" وفي تراجيديا (Oedipus Rex) "أوديب الملك" تطلبت اربع ممثلين. وهنا لبّ الموضوع في أوديب الملك الذي إضطر أن يتخلى عن كل شيء ليعرف كل شيء؛ أن تعرف نفسك حملٌ قلة هم من قادرون على فعله. فمتى فقئ أوديب عيناه ليحرم نفسه من رؤية ما هو حقيقي، بانت له الحقيقة. وهذا أمرٌ يُشَكِلُ محوراً مهماً في فلسفة نيتشه؛ فالدين هو العبء الجاثم على أكتاف البشرية الذي يحجب الحقائق، لا يظهرها كما يدعي. فلا حقيقة واحدة، بل حقائق متعددة. —ومن الموسيقى والفن يتجلى ديونيزوس، روح الحياة لا صخرة الموت التي تنادي بها الأديان الإبراهيمية المأفونة، والتي تستند على الخنوع والرضوخ والإنقياد وراء عقلانية تدّعي طلب الغد الباقي لا اليوم الفاني. وفي هذه التراجيديا بالذات، والصراع بين ديونيزوس وابولو؛ بين الروح (anima) —الحياة— وبين الجماد والخيال الذي حمل صبغة عقلانية، تتجسد معاناة الإنسان. وكل إنسان هو ضحية هذا "الديالكتيك" الهيجلي المثالي بمعنى ما؛ وهنا أهمية التراجيديا والفن الإغريقي لدى نيتشه بحيث أنه هو محرر الروح —الحياة— من الأصفاد التي إستحكمت بها عبر الأفلاطونية المنحطة تارة والدين المأفون تارةً أخرى. فديونيزوس إله الخمر و(In vino veritas)، في الخمر توجد الحقيقة. —
ومن هنا يمكننا فهم المعنى المتعالي للموسيقى والفن عند شوبنهور؛ فهو المحرر من العذاب، ومخدر الآلام، لكنه يقف هنا فقط لديه، لأن الإرادة، إرادة الحياة الشوبنهورية لا تتوقف ما دام هنالك حياة، فهي مستمرة بإستمرار الحياة، لكنها تتوقف بالنسبة للفرد كفرد، ولكنها تبقى حيةٌ في الجماعة وفي البشرية ككل، ومن هذه الركيزة الأساسية لدى شوبنهور، يمكننا تفسير طلاق نيتشة وثورته على فاغنر —تلميذ شوبهور، بعد مهرجان "بايروت" واوبرا "بارسيفال" (parsifal).
فما جرى بين فاغنر ونيتشة ليس سوء تفاهم بين شخصين أدى إلى اختلاف، كما يحاول المدعو مجدي كامل وزميلنا الوراق، الإيحاء به؛ فهذا تبسيط ينمّ عن جهل بأبسط مفاهيم فلسفة نيتشة وعن عدم دراية بالخلفيات الفكرية التي أدت إلى هذا الصدام.
فبعد أن كان فاغنر في سيغفريد وفالكيري ممجداً للأصالة البشرية والقوة الإنسانية في تحدي كل الصعاب وقتل تنين الذهب، سقط فاغنر على ركبتيه جاثياً أمام الصليب في بارسيفال، فصار بطلاً قومياً المانياً، منادياً بسمو الروح "المسيحية" الجرمانية فوق بقية الأجناس البشرية، ومنادياً بعصر الرايخ الألماني الذي سيسحق الجميع ويزرع الصليب ويغرسه في قلب اوروبا وكل العالم —ولا ننسى أنّ هذه الفترة كانت فترة العودة الدينية الألمانية وبات الرايخ يقيم مستعمرات في اميركا الجنوبية تبشيرية مسيحية ضد-السامية، وقد انضم فاغنر إلى هذا المعسكر بعد أن كان في المقلب الأخر. —
في نهاية هذه النقطة: هل الفن رقة المخنثين؟ أم الفن وسيلة الأبطال الطامحين للمجد؟ أعتقد بعد سردنا القصير أعلاه، لمعنى الفن عند الهيلينيين والفلاسفة النورانيين ومن بعدهم، أنّ الفن هو في الثانية، أي وسيلة وطريق للتحرر ومواجهة الصعاب، أي أنه ممهدٌ لدربٍ لا يختاره سوى الأحرار؛ لعل هذا ما جعل من بعض الأديان تضع الفن في موضع الشبهة والإحتقار —هل نقول الإسلام أيها الزملاء؟—؛ لأنه ليس سوى تعبيراً وطريقاً للتحرر من العبودية الملقاة على كاهل الإنسان من دين وأوهام وخرافات، ما جرَّت سوى فياضانات من الدماء على سلالم جنتهم الخيالية.

يتبع،
الزميل الوراق، سأُرهِقُكَ صُعوداً
10-10-2011, 12:07 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  آرا في أشهر الآراء : سيجموند فرويد (تفسير الأحلام) .. الــورّاق 16 4,614 04-27-2012, 09:55 PM
آخر رد: الــورّاق
  آراء في أشهر الآراء : دان دينيت .. الــورّاق 2 1,142 02-18-2012, 07:48 AM
آخر رد: حــورس
  آراء في اشهر الآراء : عبدالله القصيمي .. الــورّاق 22 5,369 11-22-2011, 12:48 PM
آخر رد: الــورّاق
  العلمانية .. قضايا و آراء . بهجت 31 12,500 09-23-2011, 02:54 PM
آخر رد: بهجت
  فريدريك نيتشة .. الفيلسوف الشاعر ابن سوريا 60 22,175 12-15-2010, 06:30 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS