الزملاء الأعزاء

تحية للجميع

عندما قرآت هذا القول عن إبن عباس رضى الله عنه ، تعجبت له كثيرا ، ما هذا الذى يقوله الرجل ؟

إننى اعرف ان اللؤلؤة تتكون نتاج دخول ذرة من الرمال داخل المحار فتتكون اللؤلؤة بسبب إفراز المحار مادة تحيط بهذه الذرة لتمنع احتكاكها بالكائن الرخوى ساكن المحار.

لا شك ان ما قاله الرجل إما كذب لفق له او قاله فى ضوء قدر علمه وعلم المحيطين به وخاصة أنه لم يكن يوحى إليه ولا يوجد لدينا فى الاسلام روح قدس تضمن صحة ما يقال وتضع عليه خاتم الجودة مع المسئولية عن سوء الاستخدام والإعفاء من نتائجه.

ابن عباس لم يكن يوحى إليه ولكنه كما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم "حبر الأمة" أى الأكثر علماً فى الأمة الاسلامية ولكن لا يعنى هذا أن يكون كلامه يقع فى مقام القرآن ولا الحديث ولكنه كلام جيد يجب التفكر فيه.

ونتيجة للموضوع الذى أثاره الزميل قررت أن أبحث فى النت عن هذا الأمر الذى لن يفرق معى مقدما فى إيمانى ولكن من اجل مزيد من المعرفة ومن اجل سياق افضل لنسق التفكير الدينى، بحيث لا اعتمد إعتماد كلى على اقوال المفسرين بقدر اعتمادى على تدبرى للأمر.

المهم اننى وجدت بحثا طريف عن أحد علماء الحضارة الاسلامية وأسمه هو أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندى ، والكندى هذا قد قال عنه عالم الرياضيات كاردانو "هو من الإثني عشر عبقريا الذين ظهروا في العالم" كما قال عنه ابن النديم في الفهرست بانه " فاضل دهره وواحد عصره في معرفة العلوم القديمة بأسرها ، وفيلسوف العرب ". وكتبه في علوم مختلفة مثل المنطق والفلسفة والهندسة، والحساب والموسيقى والنجوم والطب ". ولد في الكوفة وتعلم في البصرة، وبفضل مؤهلاته وقدراته ومعارفه المتنوعة بلغ مواقع متقدمة وحظوة لدى الخلفاء العباسيين.. له رسائل مختلفة في العلوم الطبيعية مثل في المد والجزر وفي المياه والأمطار، وفي الجواهر والأحجار. وقد ذكر له ابن النديم رسالتين في الأحجار هما : رسالة في انواع الجواهر وغيرها، ورسالة في أنواع الحجارة.

أما الكتاب الأهم هو الذي ورد الحديث عنه في كتاب البيروني " الجماهر في معرفة الجواهر " فالكندي كان خبيرا كبيرا في المعادن والأحجار، وكانت له تجاربه العملية وخبرة كبيرة في معالجة المعادن بالنار، وهي طريقة علمية لمعرف جوانب من خواص المعادن، مثل تأثير النار على لون المعدن والشفافية واللمعان، وكذلك تأثير الخل والحوامض على المعادن. وكان الكندي فنانا بارعا في تصنيع الجواهر وصقل وجوهها وفي معالجة العيوب والشقوق وتنقية الجواهر من الندب والشوائب، التي تسيء الى المظهر والشكل، مما يؤدي الى انخفاض سعرها.

تعالوا لنتعرف عن قرب على الطريقة التي تعامل بها الكندي مع اللؤلؤ. كيف يتكون اللؤلؤ ؟

نسج خيال الإنسان شتى الأساطير " العلمية " منذ العصر اليوناني وحتى القرن التاسع عشر وهو يحاول الاجابة على هذا السؤال. وكانت جميع الآراء القديمة، اليونانية منها أو العربية التي تأثرت بها تقول بالمنشأ الخارجي للدر، أي ان الدر يتكون في داخل المحار نتيجة لأسباب وعوامل خارجية، مثل دخول الماء في داخل الصدف، أو من قطرات الندى، أو من قطرات المطر، أو تحت تأثير البرق، ...ألخ. مع العلم ان المحار الذي يحمل الدر في داخله يعتبر من الرخويات القاعية التي تلازم قاع البحر. تشير كتب التراث، وخاصة كتاب " الجماهر " ان هذا الرأي كان شائعا بالفعل في ذلك العصر وقبله، وقد أخذ به بعض العلماء أيضا – علماء من اليونان ( كان أرسطو في مقدمتهم ) وعلماء من بلاد الإسلام، ومن بينهم نصر الدينوري، وأخوان الصفا، والدمشقي، وغيرهم. وقد اعتبر البيروني ان هذا الرأي هو رأي العامة حيث قال : " ونصر يتبع رأي العامة في قوله ان اللؤلؤ يتكون من المطر، ثم يربيه الصدف فانه كالريق للإنسان، يقلبه في فمه، ويجليه. ويستدل على ذلك ان المطر كلما كان أكثر في سنة وأعجل في وقته كان وجود اللؤلؤ فيها أغزر وريعه أوفر "..

من المؤسف ان البيروني لم ينقل لنا موقف الكندي من رأي العامة، لكنا نستدل من كتاب " الجماهر " ان الكندي قد استشهد بقول أصحاب التجارب والتجار حول وفرة اللؤلؤ في المواسم والسنين التي تكثر فيها الأمطار. هل يعني هذا ان الكندي كان يميل الى رأي العامة ؟ ما ورد عن الكندي حول البنية الداخلية للدرة ينفي ذلك لأنه يتعارض مع رأي العامة. تعالوا نتعرف على ما ذكره الكندي حول تكوين الدر في الصدف.

وهكذا نجد أن ابن عباس قد قال ما قاله علماء اليونان وعلى رأسهم أرسطو ، ولمعرفة صحة أو خطأ ما قاله ابن عباس فعلينا ان نضع نقاط رئيسية يدور حولها البحث للتحقق من صحة المقولة من اهمها :

1) الفارق بين اللؤلؤ الطبيعى الذى لا دخل لإنسان فى تكونه وبين اللؤلؤ ناتج الاستزراع.

2) لماذا يكثر محار اللؤلؤ فى مواسم الأمطار كما ظهر من البحث السابق.

3) لو كان سبب تكون اللؤلؤ هو ذرة الرمال التى تدخل المحارة فمن المنطقى ان تكون كل محارة تحمل بداخلها لؤلؤة حيث ان المحار يعيش بالقاع الممتلئ بالرمال ، والمدى الاحصائى لدخول ذرة رمال إلى محارة يعادل 100%.

وأخيرا لست مدافعا عن مقولة ابن عباس ولكننى سعيد وممتن للزميل صاحب الموضوع الذى جعلنى اعرف أن ما قاله ابن عباس قد قاله من قبل واحد من اشهر علماء اليونان وهو "أرسطو".

ودمتم بخير.