ولم أعد أطيق صبرا ، فارداف عشرينية تختال تقول للإغراء هيّا .
وبالأذن من ناقل الموضوع

وتقول يا عزيزي أسامة الدليل ـ لا أضاع الله لقلمك دليلا ــ وحرفياً
( كل حقيقة تترتب على صورة هي لا حقيقة)
وبعد أن افحمتني وأفحمت الجزيرة الحقيرة والعربية العبرية والبلجيكية والفرنسية والانسانية ، اسمح لي ان اضيف لك

( كل حقيقة مكتوبة على رزمة"عملة رخيصة هي الحقيقة بشحمها ولحمها ) وعليه ، لقد شوقتني للشام ومن ادمن سكنى الشام وعشق الشام سيموت ويبقى جزء منه في الشام
افحمتني يا عزيزي ، فلقد تم تضليلي قهرا وغصباً مع انني على اعتاب الكهولة ، وها انت مشكوراً تميط اللثام عن كامل قيافة الحقيقة ، اتمنى منك والح عليك وبكل رجاء ومن دون " عملة رخيصة" ان تنوب عني فيما سيأتي فانا والله يا عزيزي مغترب في السعودية وقابع ضمن قانون " الخروج والعودة" ، ولقد ارهبتني وخوفتني تلك القنوات الحقيرة عن وضع سوريا الحبيبة فلم اقم بتأدية " عزاء واجب" لأبي نزار ، لا تستعجل ، فأنت خضت سوريا من اقصى المزة الي اقصى المرجة ، فرجائي ان تذهب لبيت ابو نزار وهو في حماة وسأصوف لك العنوان بالتحديد
انت في الشام ، تمشى الي ساحة العباسيين ، ومن هناك كلها فقط 220 كم ، وانت تجيد لعبة الارقام خاصة " بالعملة الرخيصة" ولا تنسى ان تتعشى في مطعم " ديك الجن" وهو في حمص التي لا تبعد الا عدة " قفزات"
هل وصلت حماة ؟ اترك الناعورة الاولى ، ثم اترك الثانية ، واترك الثالثة ، ستجد حاجزاً اول يوزع ورود برية اسمها " شقائق النعمان" وهي ليست لها ادنى ارتباط بمعرة النعمان الآمنة
الحاجز الثاني مخصص بتوزيع " مشمش مجفف" تناول بقدر ما تستيطع فهو لا يحدث الاسهال ، اما الحاجز الثالث فيوزع " فستق حلبي" تناوله فعلى ذمتهم فهو يزيد الخصوبة ، الحاجز الرابع فهو يوزع " لوز مقشر"
بعد ه ستجد صمتاً ، اترك الصمت الاول ، والصمت الثاني والذهول الثالث ، ستشاهد " اطفال مضرجين بالحليب" اتركهم، بعدهم بقبر ستشعر بنار ، هذه النار هي نيران قلب ام نزار توقف امامها ، هل وقفت ؟ اسمع الحكاية من البداية على شرط ان تظل واقفا .
ابو نزار ، انسان كان يعيش في حماة عام 1982 ، ورزق بخمس بنات اصغرهن هي " هالة" ، وحدث ذات يوم انهم شعروا بضرورة التغيير فالروتين قاتل ، وغبار الشارع يسبب له حساسية وهالة اصابها " رمد ربيعي" ، والبنت الكبرى اصابها " مغص حاد في ساقها" وام نزار اصبحت كثيرة الشكوى فجاراتها جميعهن ذات ليلة قررن " الصمت وعدم الثرثرة" ، وابو عبدو الذي كان صياحه يملأ الحارة ايضاً هو صمت بنفس الموعد .
قررا أن يغيرا الروتين ، ولأنهم لم يتلقوا " دعوة رسمية" من والد زوجتي ولم تكن هناك طائرات ، فلبوا الدعوة على عجل وفي الفجر ، حتى انهم نسوا ملابسهم وامتعتهم وكل ما يملكون ، فالهرب من الضجر ومن الروتين أنساهم كل شيء
وصلوا الي عمان ، وللأسف لم يقيموا في فنادق فخمة ، وسكنوا في شقة لوالد زوجتي الذي اقسم طلاقاً بالثلاث ان لايأخذ اجرة من " ضجران" ولمدة خمس سنوات .
ابو نزار وام نزار ، جمعتننا بهم صداقة جميلة كجمالهم وجمال اخلاقهم وجمال صمتهم ، وتعودوا علينا وتعودنا عليهم
ورزقهم الله بولدهم الوحيد " نزار" وهو بعد خمس بنات ، يا الهي كم كان جميلا، يا الهي ما اجمل عيونه الزرقاء ، كم تمنيت ان تراه يا عزيزي اسامة حتى تهيم بجماله كما همت " بالعملة الرخيصة" .
ذات يوم في عام 87 قرر ابو نزار ان يعود الي حارته فلقد اشتاق للصمت ، فعاد وعاد ت اسرته معه ، ولم تنقطع الصلة معهم ويجيؤن كل عام بدون " دعوة رسمية" واحيانا يذهب من استطاع من منّنا لزيارتهم .
كبر نزار ، وتخرج من الجامعة بتهمة محاسب ، ولأنه الوحيد فلقد اسرع ابو نزار بتزوجيه لكي يفرحوا به ، ولكي لا تلوذ ذريته " بالصمت" ،
يحدث يا عزيزي اسامة وانت تتناول " الفول النابت" بالشام ، ان يقوم من بقي من اهالي حماة بعمل اعراس جماعية ، ليليلة ونهارية صباحية ومسائية ، قبل الظهر وبعده ، ويحدث ان تكون هناك دبكة ويحدث ان يغنوا بحناجرهم ويسيروا على ارجلهم ويصفقوا بايديهم ، مثلهم مثل كل ما تبقى من مدن سوريا في تلك الاماكن الصغيرة التي بقيت بعد مساحة ما بين " المرجة والمزة " .
ويحدث في يوم جمعة ، والعرسان كثر ، وكلهم يلبسون او سيلبسون الابيض ، والصبغة الحمراء التي تتسرب من الشرايين تفضح القنوات المضللة ، ان نزار اخذته الحمية في الرقص فغنى واشدى وحملوه على الاكتف ، وكانت بهجة كبيرة ، ولفرط البهجة اطلقوا " مدعوون لطفاء" الاعيرة النارية احتفالاً
وبالخطأ ، وصدفة ، يصاب نزار بعيار ناري ، لا ، لا أكثر ، هي ثلاثة واحدة عند " عقدة الحاجبين" بين عينيه الزرقاوين ، والاخرى في الحنجرة ، والثالثة في القلب بالبطين الايمن تحديدا ، كانت عن طريق الخطأ اطلقها " شبيح مؤدب" من على سطح بناية ، فلبس الابيض وكان عريساً

هل ما زلت واقفاً امام ام نزار؟
اتلو عليها مزاميرك اعلاه المكتوبة على ورق " العملة الرخيصة" فإن اطفأت نيران قلبها ، اكتب مزمارا اخر على ورق " عملة رخيصة" .

واخر الرسالة نختمها
قبيح ان تكون سفاح ، لكن الاقبح والاوضع ان تكون أجيرا عند سفاح من أجل " عملة رخيصة" .