'فوبيا عمر'..!



تاريخ النشر: الثلاثاء 10/4/2012م



كتب حسن عصفور/ لا يزال الحراك الشعبي في مصر لم يصل الى نهايته بعد، رغم مرور عام ونصف العام على الاطاحة بالرئيس مبارك وصياغة اعلان دستوري صوتت عليه غالبية كبيرة من الشعب المصري، رآه البعض في حينه أنه رسم 'خريطة طريق' معبدة بألغام كثيرة، ثم جاءت الانتخابات لمجلسي الشعب والشوري، والتي حقق خلالها تيار' الاسلام السياسي' بشقيه السلفي والاخواني أغلبية كاسحة، ومع ذلك لا تزال مصر حبلى بحراكها، وكأنها لم تولد جنينا صحيا معافى يصل الى ما كان مأمولا عند نقطة البدء الثورية التي أشعلت فتيل 'الغضب الشعبي' .. وسارت الأمور بارتباك واضح المعالم، خاصة وأن الأغلبية البرلمانية أدخلت مسار البلد السياسي في حالة ارباك أكثر مما كان متوقعا، وجاء تشكيل 'اللجنة التأسيسية' المكلفة بصياغة الدستور لتكشف أن الاستقطاب في المجتمع المصري وصل الى حالة لا تنذر بخير لها، وانسحبت غالبية القوى المدنية من تشكيلها ورفض الأزهر الشريف بمكانته الدينية والعلمية ان يكون مشاركا وأيضا فعلت الكنيسة القطبية.. خلاف كشف أن 'الأغلبية البرلمانية' تسلك نهجا منفرا بل وطاردا لقوى غيرها، واعتقدت أن الغالبية البرلمانية كافية لفرض رؤاها..

وجاء حراك عملية الترشيح الرئاسي، الذي بدأ بالزج بنائب المرشد العام، والرجل القوي داخل جماعة الاخوان المسلمين كمرشح لها لمنصب الرئيس ليفتج جدلا بلا حدود، بل وصل الى كيل الاتهامات للجماعة وصلت أنها تريد خطف الثورة وسرقتها، وفرض منهج 'تكويشي' على كل المواقع الممكنة، جدل احتل المشهد السياسي والاعلامي في مصر، وقيل في 'الجماعة' ما لم يقل منذ زمن، بل أن بعض من شخصياتها البارزين تركوا عضويتها، وشنوا هجوما مضادا عليها كان أبرزهم د.الهلباوي، ووصل الأمر بأحد أبرز كتاب تيار 'الاسلام السياسي' فهمي هويدي أن يصف قرار 'الجماعة' بأنه 'وقوع في الفخ'، في حين ذهب نائب المرشد السابق د, حبيب الى أن الإخوان وقعوا في 'الشرك السياسي' .. مشهد كان به غالبية القوى المصرية في جهة والاخوان وتحالفهم السلفي في جهة أخرى.. دون أن يخلو المشهد من أوصاف لا تقل عن 'خيانة الثورة' ..

وفجأة تقدم للمشهد اللواء عمر سليمان للترشح لمنصب الرئيس، احتمال لم يكن ضمن الاحتمالات القائمة بشكل كبير، لكنه حدث، فنزل كزلزال سياسي فاق بقوته التأثيرية على المشهد السياسي العام كل ما حدث في مصر منذ ما بعد تنحي الرئيس مبارك تحت الضغط الشعبي الكبير.. فجأة اتخذ المسار العام طريقا مختلفا، هجوم غير مسبوق على ترشيح اللواء سليمان ، تنادت كثير من القوى لتشكيل حائط صد للمفاجأة غير المحسوبة، بل أن البعض منهم اسبتعدها كليا، وفرض ترشيح اللواء سليمان ذاته كابرز حدث في مصر حاليا.. انقلبت اللغة والخطاب فجأة من ملاحقة الاخوان وخيانتهم للثورة ونكثهم بما وعدوا، ولم يصدقوا قولا فيما قالوا لقوى مصر، الى ملاحقة ترشيح عمر سليمان، وقادت جماعة الاخوان وحزبها واعلامها تلك الحرب التي تستخدم بها كل الأسلحة ضد ترشيح اللواء سليمان، واعتبرت الجماعة أن ترشيحه 'خيانة للثورة'، مصطلح قالته قوى وشخصيات قبل ايام عندما ترشح خيرت الشاطر أيضا، وقبلها عند تشكيل 'الجمعية التأسيسية'..

ولكن لا يهم ما يقول هذا عن ذاك فالحال العربي يتقلب يوما بيوم، وتتحول لغة القوى الحزبية كما نشرب الماء وفقا لمصلحتها، تحلل وتحرم كما تشاء، فلا ثقافة ديمقراطية بعد، فالاستبداد العام يشمل النظم وكثير من القوى السياسية حكما ومعارضة.. الا أن ما حدث في مصر مؤخرا وبعد ترشيح اللواء عمر كشف أن هناك خوف غير مبرر ومحاولة لكسر البعد الديمقراطي في العملية الانتخابية، وتفصيلها بمقاس خاص، والغريب أن القوى الاسلامية تحديدا التي خاضت الانتخابات البرلمانية بشقيها، ضمن الاعلان الدستوري الذي صاغته شخصيات محسوبة عليها، وتفاخرت بأنها وجهت هزيمة ساحقة لـ'فلول النظام السابق' في الانتخابات ولم نجد لها حضورا ملموسا في اي من مجلس الشعب أو الشورى، هي ذاتها التي تريد اليوم أن تسن قانون خاص جدا وشخصي جدا وبمقاس عمر سليمان لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.. هلع وخوف غير مسبوق لا يتناسب مطلقا مع الادعاء ليل نهار بأن غالبية الشعب اختارهم وبرنامجهم .. الحملة التي اثارها ترشيح عمر سليمان دخلت في مرحلة 'الفوبيا السياسية' تشبه تلك التي سادت زمنا بما عرف 'فوبيا الاسلام السياسي' .. ما حدث من ردة فعل على ترشيح سليمان كشف ان عديد القوى تشعر برعب وخوف وليس ثقة وحرصا على 'الثورة'.. فلو كانت تلك المسألة لكانت صياغة الاعلان الدستوري الذي جاء سريعا لخطف ما يمكن خطفة مختلفا..

لماذا تجاهلت كل القوى وضع صياغات تمنع سليمان وغيره من الترشح سابقا ولماذا صمتوا على الفريق شفيق ، وكيف وافق الاخوان وحزبهم وتحالفهم على قبول حكومة الجنزوري في البداية يوم ان عارضتها كل القوى الثورية.. اسئلة لا تنتهي من رد فعل لا يشير الى 'ثقة وقوة' بل خوف وهلع من مرشح يفترض أنه 'صيد سمين' لهزيمته وهزيمة كل الماضي السابق..'الفوبيا السليمانية' اليوم لا تعكس سوى أن البعض يريد مصر وفقا لخريطته هو وليس لمنطق الفعل الديمقراطي..

الاعلان الدستوري يكفل حق الجميع.. لكن صندوق الانتخاب هو الفيصل... ليترشح من يترشح ولكن ليتفق معارضو سليمان أولا على مرشح يخدم الثورة وينقذها .. طبعا اذا تم تعريف 'الثورة' وفق الوضع الراهن ..