الأخ الكريم الكندي

بارك الله فيكم على هذه الإضافة المميزة..اقتباسك الأول والثاني نظرة كُلّية رددت أنت عليها بنظرة جزئية لا أجد عليها أي خِلاف، فنحن نتيقن بأن الحكومة السورية مستبدة، وأن الخوف والهلع عنوانا ماضياً وحاضراً لكثير من السوريين..ولكن قصة تهديد المعارضة للحكومة بأسلحة وصفتها بالبدائية فيها نُظر، ذلك لطبيعة الحرب داخل المدن.

فحرب الشوارع لا تستلزم سوى بنادق كلاشينكوف وقاذفات صواريخ محمولة ورشاشات متوسطة أو نصف بوصة على الأكثر، أما السلاح الثقيل فهو سيد المعارك وهو أداة السيطرة كونه يتطلب مساحة أكبر للحركة وأظنها متوفرة لدى الجيش النظامي بشكل مريح، ليس على الطريقة الميليشياوية التي تتبعها المعارضة، فهذه الطريقة الأخيرة تسببت وستتسبب في أزمات أهلية متلاحقة تتخندق فيها المجموعات المسلحة داخل منطقة جغرافية ضيقة مأهولة بالسكان.. وهذا تعريض واضح لحياة المدنيين للخطر، ناهيك أن قوة السيطرة على هذه النوعية من السلاح ضعيفة، وسهولة تهريبها سيقف حائلاً دون أي محاولة للسيطرة.

أستخلص من ذلك أن الغرب يعلم يقيناً بأن الحكومة السورية لن تسقط بهذه النوعية من الأسلحة، وأن الحل الوحيد لرحيل الحكومة هو التدخل الجوي أو البري وهذا مستحيل فالصين وروسيا يقفان حائلاً دون إتمام هذه الخُطة، ناهيك عن قُرب ميعاد الإنتخابات الأمريكية، فضلاً عن خروج ساركوزي من اللعبة السورية، ولم تتضح معالم هولاند حتى الآن، إذاً يبقى أمامهم حل وحيد هو إبقاء الوضع على ما هو عليه على طريقة النيابة المصرية حين يختصم طرفان على مكان أو عين ثم تحكم باستمرار الوضع، وبالتالي يبقى الحال على ما هو عليه إلى حين إحداث حدث فارق وجوهري، وهذا أظنه ما تنتظره المعارضة.

ولكن في المحصلة هذا الإنتظار ضعف موحل، فالمعارضة لا تصنع انتصارها بيديها، بل تُكِل جُلّ اهتمامها لجهود الآخر..فلماذا ورطوا أنفسهم وشعبهم منذ البداية؟!..وألم يكن من الأولى أن نسمع للآخر حتى لو كان خاطئا فنتدارس أفكاره؟..أظن أن الآخر لم يُقصر في النُصح فقد شهدت هذه المرحلة بنفسي، ولم أرَ تقصيرا من حُلفاء الثورة ممن يوصفون بالعُقلاء، ولإنك لم تسمع لما يدور في الغرف المغلقة فتظن بأن الوضع تحت السيطرة وهذا غير صحيح وأكبر دلالة على ذلك هو عمل الدولة السورية بكل أريحية، وأن ما يتهدم لن يدفع ثمنه سوى المواطن السوري.

تقول أن الإنتماء مُتحقق لدى سوريا الأرض، ولم أفهم ما هي سوريا الارض وهل هي غير سوريا الشعب أو سوريا الهوية؟؟...فإذا كان فالإنتماء لقطعة الارض لا يُمثل شيئا، لأن الأرض جزء من هوية المكان التي تضم ثقافة الشعب وأخلاقه وعلومه، وبالتالي فقصة الإنتماء فيها نُظر خاصة مع وجود هذه الدعوات لحِلف الناتو لضرب سوريا، وأي انتماء متحقق في ظل دعوة الاجنبي للقدوم بقواته العسكرية للتخلص من شقيق الوطن..ربما كان لفظ شقيق الوطن غير مُحبذ لديك ولكنه لفظٌ معنوى له وجود متحقق في صورة الأتباع ومؤسسات الدولة، أي ثورتك ضد الحكومة لا تعني ثورتك على الأتباع أو مؤسسات الدولة، وهذه الرؤية أظنها مأزقاً في تعيين الهوية السورية، فالثوري لا يؤمن بهوية سوى هوية الثورة، والحكومة لا تؤمن بهوية سوى هوية الدولة المتمثلة في النظام الإداري والسياسي.

أيضا فجزئية تحديد الصراع بوجود حد ومحدود هي حالة متحققة وليست ترفاً لا علاقة للمواطن السوري به، فهو يعيش هذا الواقع ...حتى أنت حين لا تستطيع التحكم بغضبك فلا مجال لتعيين النتيجة أو السيطرة على الحالة، فحدود صراعك غير موجودة، وفي النهاية ستخضع حالتك –وغيرك-في سوء حال وشِدّة وهي مبلغ الضرر..

أخيراً فالمعرفة أصل الإحاطة ولا معرفة دون تعيين المفاهيم وضبطها ضبطاً موضوعياً قابل للتحقيق، وقضية سوريا ليست قضية سياسية أكثر من كونها قضية هوية بالدرجة الاولى، فتقريباً أكثر مفاهيم الوطنية وحُبّ الآخر تم اختزالها في صورة المؤيد والمعارض، وهي حالة صراع مرصودة لا حدود لها وجميع احتمالاتها مفتوحة، لذلك نقول دوماً ونطرح ما نراه بصيغ مختلفة أن أصل الإشكال ليس في جوهره، ولكن في البُعد النفسي والذاتي منه، ولو افترضنا أن الضيق والشِدة -كسمة من سمات الثورة السورية- متحقق فهو انعكاس لوهم وخيال أصاب البعض منهم حتى ظنّوا بأن أحلامهم قابلة للتحقيق في أي ظرف ومهما كانت النتائج .