الأخ الكريم الكندي

الثورة ضد الحكومة لا تعنى الثورة على الأتباع أو مؤسسات الدولة، فشرعية الدولة لا تستطيع نفيها وإلا شاب نفيك اعترافاً بالتخريب والهدم، لا يمكن فصل الحكومة عن الشعب فلديها أتباع..هذه أزمة فكرية تعاني منها المعارضة، ولا يمكن وضع مقابلة كالنظام والسوريين كبشار والثوار كالحكومة والشعب..هكذا بإطلاق سيُعتقد أنك تفترض مواجهة بين قوة عسكرية وشعب أعزل، وهذه الصورة نِتاج إعلامي مزوّر لا علاقة له بالواقع، كيف وأنت تدّعي أن النظام مُجرم، ومع ذلك فالمعارضة المسلحة لا تقل إجراماً ومن هنا تأتي زورية الصورة، مسألة تسليح الثورة أتت على سُمعتها بشكلٍ كبير، وفقدت تعاطف المثقفين غير المؤدلجين أو المتعصبين، أي مثقف محايد سيُتهم بالتشبيح، مثال ما يتعرض له عبدالباري عطوان هذه الأيام، فرغم أن الرجل لم يبخل على الثورة بنقد النظام وجعل صحيفته منبرا لأخبارها إلى أنه لم يسلم من هذا الإتهام لسبب واحد..هو قيامه بنقد المعارضة، أو توقع أشياء ليست على هواها.

كسر حاجز الخوف يلزمه ضبط حدود الصراع -كما أسلفنا، وطالما عملية الضبط غير موجودة فلا يمكن تعيين النتيجة دون الإخلال بماهية طرفي الصراع وأظن أن هذا حدث بفرضك أن المواجهة بين أكثرية وأقلية، والفرض الثاني أن الخصم يعتمد على التنوع الطائفي، والأخير يلزمه نفي هذا التنوع عن المعارضة، والفرض الاول يلزمه استطلاع رأي قبل التعيين، فما يرا ه الناس غير ذلك، حتى مع إيماننا بأن البعض يخرج للتأييد مُكرهاً فقد يحدث مرّة أو اثنين، أما أن يخرج بصورة متتالية فهذا نقض صريح لهذا الزعم، ناهيك عن مسئولية المعارضة المباشرة عن وجود مثل هذه النوعية داخل القُطر السوري من وجهين، الأول من وجه التقصير التربوي فالمعارضة مشروع ووجدان وثقافة وليسوا مجموعة من الإنقلابيين ومسئوليتهم مع الحكومة مشتركة، والثانية السماح بهذا الإستقطاب الشعبي دون بذل الجهد للاستمالة بعيداً عن أي تصرف ديماغوجي يُعتقد منه الإيمان بمبدأ من ليس معي فهو ضدي، فما بالك وأن المعارضة ثبت لديها مجموعات مسلحة تقوم بالقتل على الهوية تماماً كما يفعل أنصار الحكومة.

الإعتراف باستبداد طرف لا يعني إلزام الباحث بنقده دون التعرض للطرف الآخر، فهو ثبوت واضح للاستبداد لدى الطرفين، فالباحث المحايد ينتقد بتجريد فكرة عامة أو صورة يستطيع بها الرؤية ، أما السلوك أعلاه فيُخرجه من سياق البحث إلى سياق الأدلجة والتعصّب وهو إيذانٌ بقتل البحث وتوهان الحقيقة، وأظن أن ذلك متحقق لدى أكثر الباحثين ممن يعتقدون بنفس نظريتك فضعفت لديهم الرؤية وغاب عنهم الإنصاف..وجاءت أرائهم مضطربة، حتى أن توقعاتهم لم يحدث منها إلا النذر اليسير القريب من حُكم المعدوم.

الرباط المقدس بين السوري وأرضه لا ينفك عن ربط السوري بثقافته ودينه وهويته ، حتى الآن لم تُقدّم دليلاً على وجود هذه الأربطة المقدسة بدلالة اعترافك بعدمية وجود العقد الإجتماعي بين المواطن والدولة، هذا لأن هناك فكرة مسيطرة تقول بأن الأنا هو الدولة وهذا غير صحيح، فالعقد الإجتماعي هو خضوع للإرادة العامة التي تهدف لتحقيق العدل بعيداً عن هوية الحاكم، وأي مواطن يشعر بالظلم يحق له –حسب نظريتك-أن يهدم هذا العقد بكل سهولة، هذا تمرد حقيقي على نظام الدولة بدلاً من كون المتمرد حلقة لتحصيل الحقوق الطبيعية للأفراد والجماعات، فكما ان هناك طرفاً مظلوماً هناك أطرافاً ليست أقل في مظلوميتها، وهذا يستدعي بنا مجاراة الوقائع على الأرض سواءاً إقليمياً أو دوليا أو وطنياً واستنتاج مدى قبول الدولة للإصلاح .

أخيراً هناك طرفين متصارعين كلاهما يستخدم نفس الأسلوب ونفس الوسائل، فما يستدعي التعاطف مع طرف ضد الآخر هو نفسه ما يستدعي شرعنة اللجوء لهدم الدولة وعِقدها الإجتماعي، فكل طرف يعتقد في ذاته الدولة، حتى أن الطرف الأضعف يُصرّ على هذا الإعتقاد دون التعرّض لقضايا أهمها القومية والهوية والدين والأخلاق والإيثار والموازنات السياسية والشرعية وضبط النفس وما إلى ذلك من مفاهيم تُساعد على الإنضباط والرؤية الصحيحة كي لا تُعطي فرصة لأي طرف مُغالي أو له مصلحة بالقضاء عليك أن يعمل بأريحية وهو مطمئن أن ما يسعى إليه سيناله على الأقل على المدى البعيد.