تعليق على الماشي،

هلم فلنراقب أوروبا المسيحية، كاثوليكية في الجنوب، بروتستنتية في الشمال، وأرثوذكسية على مذهب الروم في الشرق،

فلنراقب معا كم من الطوائف الأخرى كانت موجودة بين الأغلبية عشية الثورة الفرنسية،
كم من الطوائف الغير مسيحية، مع استثناء الحاجة الوظيفية لليهود، كانت موجودة؟

ولنراقب بتمعن شديد، كم من المسلمين كان موجودا بوصفه مواطنا من الدرجة الخمسة وعشرين في أوربا عشية الثورة الفرنسية، مع استثناء الدبلوماسيين إن وجدوا، وكم من النصارى كان موجودا في الشرق بوصفه مواطن من الدرجة العاشرة مثلا.

خلينا نحسب على نفس الفترة، ثم نسبح بحمد الله ونشكره أن أوروبا تخلت عن جعل الفاتيكان أو ما شابهه من المنظمات الكنسية، قيادة زمنية لها، كم كان ذلك العهد مظلما.

طبعا مع التنويه أن فتح الأندلس كان ورطة شنيعة ورطنا بها الأمويون، وهو الورطة التي حفزت أوربا على التحلق خلف قيادة بابا روما، بينما كانت أوربا قبل ذلك موزعة بين آراء كنسية مختلفة، منها شعبة الأريوسيون الهراطقة طبعا، ريتهم يقبشوني، ومنها ديانات لا علاقة لها بالنصرانية، ومنها البوهيميون. كل ذلك تم جزره بلا رحمة عن طريق جزار فرنسا شارلمان، وكيل البابا والحاكم بأمره. وسبب قدرة شارلمان على هذا هو طبعا "حيونة" الأمويين الذين انطلقوا لفتح بلاد سهلة، وكإنه ناقصنا بلاد. ولم يسبقوا انطلاقهم بدعوة ولا سفارة ولا شحار بين.

لكن بعد أن صارت الأندلس إسلامية، وبعد أن أسلم من أهلها الكثير، والذين ليسوا قوطا بالضرورة، معلوم أن القوط من القبائل الجرمانية في الشرق الأوربي. بعد هذا كله رضي البابا أن يتم فسخ معاهدة وقّع هو عليها وأقسم، وتكفل حرية العبادة للمسلمين في الأندلس، ومجموعة من الحقوق المدنية.

هب أن المسلمين كانوا مجرمين بحق نصارى المشرق، وزتّوهم ورا الشمس بفرض الجزية عليهم.. فكيف يستسيغ وكيل المسيح على الأرض، وخليفة بطرس رأس الحواريين، والصخرة الذي عليها عماد الإيمان، كيف يستسيغ بعد ذلك كله أن يحرق الناس أحياء بتهمة أنهم مسلمين بالسرّ؟

عذرا زملائي، أنا لا أتذكر من الأندلس إلا الإبادة، ولا أعلم من صنع مثل هذه الإبادة في القديم إلا هولاكو في بغداد، أتيلا الرهيب في روما، مع التحفظ لأن أسباب الإبادة لم تكن إيمانية البتة، وطبعا لا ننسى في العهد الحديث هتلر بحق اليهود بوصفهم عرقا وليس إيمانا، وإبادة الانجلوسكسون للأمريكيين الأصليين، الأستراليين الأصليين، والتسمانيين الأصليين الذين ما بقي منهم أحد.