الباحث/ فرناس :
طرح الخوارج رأيهم في مسألة الرجم كحد لجريمة الزنا. وكان رأيهم أن حد الرجم هو غير موجود في الإسلام ولا يجب أن يكون حداً شرعياً. من نقل رأيهم لنا هو الإمام فخر الدين الرازي، أحد أئمة المسلمين الأعلام الأفذاذ، في كتابه (المحصول في علم الأصول). المثير في رأي الخوارج في نفي حد الرجم هو أن الإمام فخر الدين الرازي، على سعة علمه الغزير في علوم الفقه والتفسير والكلام والمنطق والإلهيات والطبيعة كما نراه واضحاً جلياً في تفسيره الكبير (مفاتيح الغيب)، لم يستطع أن يرد حجة الخوارج عليهم كما سوف نقرأها أدناه، وآثر السكوت والصمت عن تفنيد حجتهم، اللهم إلا جملة يتيمة يقول فيها: “وأما طعن الخوارج فهو بناء على أن تخصيص الكتاب بخبر الواحد لا يجوز، وقد تقدم القول فيه”. ولكن حجة الخوارج لا تقف عند حد خبر الراوي الواحد الذي ينقل الرواية وحيداً عن النبي (ص).

من كتاب
المحصول في علم الأصول
الإمام فخر الدين الرازي
المجلد 2 – ص 147

“قالوا: رأيناهم قبلوا خبر الواحد على مناقضة كتاب الله تعالى، وذلك يوجب القطع [أي الجزم] بفساد ذلك الخبر والطعن في العامل به.

بيانه: أنّ الله تعالى ذكر أنواع المعاصي من الكفر والقتل والسرقة، فلما ذكر الزنا استقصى الكلام فيه. فإنه تعالى نهى عنه، فقال: ﴿ولا تقربوا الزنا﴾، ثم أوعد عليه بالنار، كما صنع بجميع المعاصي. ثم ذكرَ الجَلْدَ، ثم خَصّه بإحضار المسلمين وبالنهي عن رحمته والرأفة عليه [يقصد أن الله تعالى أمر بأن يشهد حد الجلد طائفة من المؤمنين وأن لايأخذ المسلمون بالزناة رأفة] بقوله ﴿ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله﴾. ثم جعل على من رمى مسلماً بالزنا ثمانين جلدة، ولم يجعل ذلك على من رماه بالقتل ولا بالكفر، وهما أعظم. ثم قال ﴿ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون﴾. ثم ذكر من رمى به زوجته، وبَيَّنَ هناك أحكام اللِّعان، وقال ﴿والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك﴾. ثم خصهُ بأن جعل الشهود عليه أربعاً [يقصد أن إثبات عملية الزنا يتطلب شهوداً أربعة]. فمع هذه المبالغة العظيمة، كيف يجوز إهمال ما هو أجَلّ أحكامها وأعظم مراتبها، وهو الرجم؟!

ثم إنه تعالى ذكر آيات صريحة في نفي الرجم:
أحدها: قوله ﴿الزانية والزاني فاجلدوا﴾، وهذا صريح في وجوب الجَلْد على كل الزناة، وصريح في نفي الرجم.

وثانيها: قوله ﴿فعليهن نصفُ ما على المحصنات من العذاب﴾، والرجم لا نصف له [يقصد إذا كانت الإماء عليهن نصف الحد الذي على المرأة المحصنة الحرة، فكيف يكون هناك نصف رجم؟!، وهذا واضح بأن الرجم ليس هو الحد الشرعي لأنه لا نصف للرجم].

وثالثها: وهو الدلالة العقيلة أنّ الرجم لو كان مشروعاً لوجب أن يُنقل نقلاً متواتراً [يقصد أن نصوص الرجم وأخباره من عهد النبي (ص) يجب أن تُنقل لنا بصورة متكررة وبواسطة رواة كثيرون وليس راوي واحد أو راويان فقط] لأنه من الوقائع العظيمة. فحيث لم يُنقل [أي بما أنه لم يتم نقله لنا بصورة متكررة وبواسطة رواة كثيرون] دلّ على أنه غير مشروع.

ثم أنهم قبلوا خبر الواحد في الرجم مع كونه على مناقضة هذه الأدلة الشرعية والعقلية، فكان الطعن متوجها قطعاً”.