منذ اسابيع قليله سطع علينا الكاتب نارام سرجون محلقاً فى عالم التحليل السياسى ..بمقاله توصيف وتمحيص وتشريح لواقع الثورات العربيه .. ونقد صارخ لميكانيكية المسار الثورى ..وازدراء الجماهير المنتفضه هنا وهناك ونعتها بالغوغائيه ..واختزال الثورات العربيه فى اشخاص عده كالغنوشى ووائل غنيم وبرههان غليون الى اخره .. وسفه الدماء العربيه التى سالت ومازالت تنزف ..بل وهانت عليه انّات وآهات الامهات الثكلى للشهداء.. وتخبط فى إسهابه لمشهد الثورات ولف ودار وصعد وهبط ويمن ويسر وتقدم وتأخر ..لكنه لم يستطع أن يستر منطلقه الشيعى وخلفيته الشيوعيه الماركسيه ..وذكرنا بالسُفسطائيه القديمه فى الطرح والتناول والإمعان فى الامفهوم ..ولم نعهد منه هذا الموقف ..ولاهذا الدور المحورى فى قضايا الامه المصيريه الذى جاء متأخراً ..لأسباب تعود لمكنونات فى عقيدته التى جعلته يسهب ويٌطيل فى تناوله للمشهد السورى وامعن فيه ..فقد مرت بالامه سنوات خدَّاعات واستباح العدو الصائل بكارتها فى العراق وفى فلسطين التى مازالت تنزف من عقود..ولم يهل علينا نارام سرجون بهذا الزخم من الاسقاطات التاريخيه كمعين توضيحى لما يريد بيانه ..والذى كان من الممكن ان ينجزه فى اقل من ثلث المقاله ..ولكن هذا دأب مُفكرى الشيعه المشبع بالفلسفه السُفسطائيه ..ونسى ان مرجعية هذه الشعوب وتراكماته الحضاريه والتارخيه تختلف عن الشعوب التى ضرب بثوراتها لنا مثلاً.

حتى التجربه العربيه الوحيده التى اوردها( ثورة عبدالناصر) والتى إعتبرها ذات مرجعيه فلسفيه ..لم يفطن انها هى التى أَصَّلت لكل الديكتاتوريات فى العالم العربى ..ولم يصوبنا الكثيريون إذا قلنا انها سبب من الاسباب غير المباشره لانتفاضة شعوب المنطقه..ولقد تخبط نارام سرجون فى التناول.. ووقع فى التناقد فى مواطن عده فى مقالته ..فقد افقدته الإطاله التركيز فمره يصف الشعوب الثائره بالقطيع والفوضاويه..وفى موضع آخر من المقاله أنها ثورات دينيه منتقداً بذلك برهان غليون ان يكون فيلسوف الثوره السوريه وهو الذي خرق المفاهيم الاسلاميه..وإنى اتسائل اى انفعال اجتماعى أوقده المال والنفط فى تونس ومصر واليمن وسوريا ..وهم ليسوا بأقطار نفطيه ..ليس هذا فحسب ..بل ستعجز كل الإدارات السياسيه الغربيه بكل مفكريها ان تُعيد إنتاج النُظم التى ازاحهتا الشعوب حتى الان..بالطبع ستحاول لكنها لن تفلح .

لقد مَجّد وأفاض فى المدح فى ثورة البلاشفه لإعتمادها على فلسفه وصفها بانها عظيمه ،الماركسيه والماركسيه اللينينيه التى عفى عليها الزمن .. وتغافل عن مجازر الفيلسوف لينين جراد واستباحتة دم الشعوب التى فرض عليها نظريته القبيحه.. ومحاولته طمس التراكم العقيدى والحضارى لهذه الشعوب ..ويبارك الفيتو الروسى فى مجلس الامن بشأن النظام السورى الدامى.. فى حين انه يحط من شأن الثورات التى وصفها ربما دون أن يشعر بالاسلاميه ..ربما لأن إسلاميتها سُنية المذهب ليست على هواه ولا هوى سيده حسن نصر الله!..وهو لايقل فى إنبهاره بالغرب وايدولوجيته.. عن عامل الحِداده الذى لم يتعدا فهمه السطحى والحَرفى لكلمات لينين عندما خطب فى الناس .

ثم ماذا بعد ..يريد نارام سرجون ان يعطينا مثال آخر للثورات من التاريخ الإنسانى ..الثوره الفرنسيه ويجعلنا نكشف عن وجه آخر من الإنبهار فى عقله ووجدانه لفلاسفة الثوره الفرنسيه ..وأظنه لم يقرأ الجديد عن الثوره الفرنسيه ..فى أخر الاصدارات للكاتب الفرنسي ( رينالد سيشير ) الذى يتناول حقائق عن الثوره الفرنسيه ..ظلت قرنين مختبأه فى الارشيف الوطنى الفرنسي..وحان الوقت لتعريتها وفضح فلاسفتها الذين ابهروا الكاتب سرجون وصدع بهم ادمغتنا فى مقالته ..لقد ازال الباحث الجامعى رينالد سيشير الغبار المتراكم منذ قرنين عن الحقيقه فى كتابه( فانديه من الإباده الجماعيه الى إبادة الذاكره ) وأوردا بأدله دامغه المجازر التى تعرضت لها سكان (مقاطعة فانديه بين عامى 1793 و1794) والتى راح ضحيتها مايقرب من( 117 ألف قتيل) من الاطفال والنساء والعجزه والرجال بعد استشارة ( السلطات المنبثقه عن الثوره الفرنسيه ) وأن القوانين التى شرعتها الثوره ونشرتها فى الجريده الرسميه آنذاك قررت الاباده.

وقد تغافل نارام سرجون الحملات الاستعماريه العسكريه الفرنسيه لبونابرت ..والتى كانت تحمل المبادئ العامه للثوره الفرنسيه..لإبادتها لشعب الجزائر وإحتلالها لتونس والمغرب ومصر والشام .

وتُفاجئنا عبقرية( نارام سرجون) ان محركوا هذه الثورات أعضاء فى مجلس الامن ..وهذا يتنافى مع الصراع التاريخى بين المنطقه العربيه وبين الغرب برومته ويدركها من يعرف ادنى ابجاديات السياسه ..وأخبره العفريت الخاص به والساكن فى عقله ..ان مفكر الثوره وفيلسوفها الرئيسى هو ( برنار هنرى ليفى ) وهذا مايسوقه لنا النظام السورى ايضاً ..ولا أظن أن احداً احرص على البقاء على نظام الاسد مثل مجلس الامن والكيان الاسرائيلى ..لخوفه من التيارات السياسيه ذات المرجعيه الاسلاميه .

لقد مارس ( الدعاره الفكريه ) فى مقالته ..ووصف لنا الغرب ومفكرها (برنار هنرى ليفى ) بأنهم ليسوا أنصاف آلهه فحسب..بل هم الآلهه ذاتها .. يريد ان يقنعنا ان ( ليفى ) هو الذى أوحى ( لمحمد بوعزيزى ) أن يشعل النيران فى جسده لتشتعل الثوره فى تونس .. وهو الذى أوحى للشاب ( خالد سعيد ) بالتمرد الذى تسبب لسحله وقتله حتى يكون من الاسباب الجوهريه فى إشتعال الثوره على ارض الكنانه ..وهو الذى بعصاه السحريه كسر خوف ورعب الشعوب من الاجهزه الامنيه فى ليبيا وتونس واليمن ومصر وسوريا..وكان ينقصه ان يخبرنا انهم هم الذين تسببوا فى تسونامى اليابان .. وإنهم سيمنعون عنا قريباً زخات المطر وسيجففوا لنا نهر النيل ودجله والفرات ..وربما وقف النسل العربى .. إنه لتفكير أقل من ساذج فى مقاله جمعت بين الوعى واللاوعى ..ولم نتعود من الكاتب سرجون هذا ( الهم الوطنى العربى ) ولم يكن ملموس فى شخصه.. وإنى اتسائل هل نارام سرجون هو محمد الاحمد مدير قطاع الهيئة االعامه للسينما فى سوريا التابع لأجهزة …........؟!.

بقلم علي بركات