هكذا تغلب "الصقور" على "الحمائم" في سوريا.. بقلم نضال معلوف
ثورتي على جمال الطويل*؟! ...(الجزء الرابع)...
وهكذا وقعنا كاعلاميين (كل واحد منا شهاداته بطوله) في قبضة بطل قصتنا "جمال الطويل" ضابط الامن الذي قدم حديثا الى احدى الادارات الامنية وتمت "بحكمة" اسناد مهمة ادارة الاعلام على الانترنت (وهو اكثر انواع الاعلام تأثيرا حاليا) اليه.
وجمال الطويل هذا الذي استلم مهامه منذ ما يقارب الثلاث سنوات كان مرافق شخصي في موكب الرئاسة لاكثر من عقد من الزمن، جل اعماله ان يفتح الباب ويغلقه و"يدفّش المعجبين" ويراقب الاسطحة والشوارع.. الخ، واكثر مؤهلاته بحسب الصور التي عرضها في مكتبه اشتراكه في دورات "الصاعقة" وقطع رأس الافعى بيده وسلخ جلدها بفمه..؟!
على الاقل من سبقه من ضباط امن مسؤولين عن هذا الملف كانوا يتمتعون نوعا ما بالدماثة في التعامل معنا، وكنا نحاول ان نتجاوز حالة الاعتداء المستمرة على حريتنا والتدخل السافر في اعمالنا، بعبارات نعزي انفسنا بها من قبيل "التعاون من اجل المصلحة العامة" و "التنسيق بين السلطات".. الخ.
اما "جمال الطويل" الذي يشكل نموذجا افرزته تطورات الاحداث قبل الثورة، وربما يمثل النتائج التي كان علينا ان نتعامل معها فيما يتعلق بحريات التعبير ومستقبل الصحافة، فكان لا يتوانى في اي لحظة عن توجيه الاهانات المبطنة واحيانا الزجر المباشر لاي شخص يقدم وجهة نظر لا تتفق مع ما لديه من اوامر، ويذكّر كل واحد منا بانه "ولي نعمتنا" وهكذا بين كل جملة وجملة يقول "وإلا ما كنا خليناكون تشتغلوا" ويقهقه..!!؟
وكأننا تجار مخدرات نزرعها في "البقاع" ونعبر بها عبر سوريا الى تركيا لنبيعها هناك، ولسنا مواطنين لنا حق بالعمل والانتاج ونعمل في الصحافة ويفترض باننا اصحاب سلطة لا تقل قوتها عن السلطة التنفيذية، وكلنا نعمل لاجل المواطن والوطن.
فكرت اكثر من مرة خلال النصف الثاني من العام 2010 جديا بإغلاق موقع سيريانيوز، خاصة ان الشكوى من التعامل معنا بهذه الطريقة التي قدمتها (وغيري من الاعلاميين) لاشخاص في الحلقات الاعلى لم تأتِ باي نتيجة.. وكان هناك اصرار على ان نُسيّر مثل "الأجراء" من قبل هذا الشخص الذي لا يفقه لا بالعمل بالاعلام ولا بالشأن العام حتى احرف ابجديته..
سوريا كلها، من حيث لم يشعر الكثيرون بشكل مباشر لان هذا تدرج منذ العام 2005 وحتى الـ 2010، كانت تتجه نحو التشدد في الحكم.
وتسارع هذا الموضوع في العام 2009 و2010 بعد ان عاش النظام "زهو" الانتصار على خصومه في ازمة "اغتيال الحريري".
وفي ازمة الحريري كان هناك اختلاف شديد في دوائر القرار في اعتماد النهج المناسب في التعامل مع تلك الازمة، بين التشدد، والانكماش في مواجهة المجتمع الدولي بالاعتماد على التحالف مع ايران بشكل اساسي وحزب الله ومن ثم روسيا، وبين الانفتاح على القوى الغربية والتفاوض معها.
ونجحت سوريا في الخروج من الازمة بالفعل من خلال سياسة التشدد والتمسك بحلفائها في لبنان وفي الاقليم، وبدأت الدول الغربية تعيد فتح الباب لسوريا لاخذ دورها في المنطقة.
والامر الذي اصاب القيادة السورية في مقتل، هو محاولة انتهاج ذات النهج في الازمة الحالية مع اسقاط عنصر "الشعب" من المعادلة، حيث انه في ازمة الحريري لم يكن هناك نزاع بين الشعب والسلطة ولولا دعم الشعب لخيارات القيادة السياسية لما خرج من الازمة.
اما في ازمته الحالية فهو وضع نفسه في حالة عداء مع شعبه (او جزء كبير منه على الاقل)، ولم يكن صحيحا ان يستعين بحلفائه ذاتهم من خارج الحدود في مواجهة الشعب.
(يبقى الخلاف حول حجم الجزء الذي هو ضد النظام، واقول بان الاحداث اثبتت بان النظام دخل في معركة مع جزء كبير من الشعب يوازي حجم وطول الازمة التي نحن فيها، والا لو كان هذا الجزء صغيرا (بمؤامرة او غيرها، بدعم او غيره لانتهى الامر منذ وقت طويل..)
في رأيي الخاص انها معادلة عقيمة لا تحقق الا الدمار (الذي نشهده) ولن تصنع للنظام اي انتصار مثل الذي كان في حالة ازمة الحريري، لان النظام إن ينتصر، ينتصر مع شعبه، ومن الاستحالة ان ينتصر على شعبه..
واذا كانت سياسة التشدد اوصلتنا الى ما نحن فيه، فهي بدأت تدريجية (كما ذكرت) وتطورت بالتوازي مع النجاح الذي تم تحقيقه سياسيا خلال السنوات الاخيرة (قبل الثورة)، والذي تغلب جناح "الصقور" فيها على "الحمائم" في حلقات الحكم في سوريا.
نعم فقد بدأ "الصقور" من ازلام النظام بالتقدم والسيطرة واعادة فرض القبضة الامنية والسيطرة على المجتمع بحجة "نحن بنعرف شو عم نعمل" والارتداد على الخصوم من "الحمائم" في دوائر الحكم، وعلى المعارضين للسياسة التي انتهجت في خارج هذه الدوائر.
فقد اعتبر الانتصار انتصارا لـ "حكمة" القيادة، والنظر الى المؤيدين (وكانوا اغلبية) بانهم اتباع لا شركاء، وللمعارضين بأنهم اعداء وليسوا خصوماً سياسيين كان لهم وجهة نظر مختلفة (وهي حالة صحية)، فوجب تدجينهم وضمهم الى البقية.
باختصار "اقلقت" الاصوات المعارضة خلال "ازمة الحريري" النظام وأربكته في اكثر من مناسبة خاصة في بداية الازمة، وانا كنت شاهدا على كثير من الوقائع في هذا السياق، وتعامل بحزم منذ البداية ايضا مع المعارضين (لم يقصر) ولكنه اضمر على ما يبدو بان يقضي على اي اتجاه معارض عندما يعود ويتمكن، خاصة بعد ان اثبت "صوابية" رؤيته.
ولكن لسوء الحظ، فان التشدد الذي كان بدأ ينتهج كسياسة في سوريا يعتمد على قمع واسكات كل صوت او حتى رأي معارض، تفجرت في مقابله ثورة "مفاجأة" اطاحت بنظام ديكتاتوري في تونس "شبيه" الى حد كبير بنظام الحكم في سوريا.. وهنا قلبت الطاولة وتغير كل شيء؟
يتبع..
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=152441