النظرية الكارثة "دراسة الاخطاء " .. خطة النظام لمواجهة الثورة...بقلم : نضال معلوف
ثورتي على جمال الطويل*؟! ...(الجزء الخامس)...
لم يلتقط النظام الاشارة بعد ثورة تونس ، وعندما وصلت الى مصر كانت قراءة النظام لما يجري بان الشعوب تثور على انظمتها "العميلة" ، وهو في مأمن كنظام "مقاوم يلبي طموحات الشعوب العربية" ، وهكذا قرأ وصول الثورة الى مصر كـ "فتح" جديد يضمه لانتصارته، وهذا كان واضحا لاي مراقب للتصريحات وطريقة تعاطي الاعلام الرسمي مع ثورة مصر.
اختلف الموضوع عندما وصلت الثورة الى ليبيا ، وكان هذا قد تزامن مع بدايات التحرك الشعبي في سوريا والذي بدأ اول ما بدأ عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ودخل النظام في مرحلة الترقب الحذر والتوجس مما يجري ، حتى اتخذ قراره بالاستمرارعلى سياسة "المواجهة" فالعدو عدو سواء أكان عدواً خارجياً ام داخلياً كلاهما يعمل على تهديد النظام.
لم تظهر المؤامرة في البداية لانه لم يكن هناك اعداء يمكن التحدث عنهم ، فإعادة العلاقات ( والسفراء ) الغربيين الى دمشق والتحالف الكامل القطري السوري ومد الجسور مع اعداء الامس من القوى السياسية اللبنانية ( ومن ورائها ) وعودة "قوافل الحج" على طريق بيروت دمشق ، كانت كلها غنائم النظام السوري في معركته الطويلة التي امتدت سنوات ولا يستطيع ان يقدمها بسهولة على مذبح "المؤامرة".
فتم التعاطي مع المسألة في البداية على انها مشكلة داخلية ولم تظهر "المؤامرة" في الخطاب الرسمي بشكل بارز الا بعد اشهر من بداية الثورة في سوريا.
وربما ذكرت سابقا بان التعاطي مع الازمة في سوريا كان امام خيارين لا ثالث لهما واريد ان اوضح قليلا هذه النقطة.
كان الخيار الاول ركوب موجة الثورات والتغيير والانتقال للديموقراطية ، وهذا يتطلب بالضرورة توفر الارادة والوعي من قبل القيادة السياسية بضرورة الانتقال لمرحلة جديدة من المشاركة السياسية ( الجدية والصادقة ) ، وهذا قد يؤدي الى التخلي عن السلطة ولو لفترة محددة والدخول في لعبة تداول السلطة بعد 50 عاما من الاحتكار.
ومع الاسف فان هذا الخيار لو توفرت الارادة ( وهي لم تتوفر ) كان صعب التطبيق لان النظام لا يملك الادوات ولا الكفاءات ولا الخبرة لاتمام مثل هذه التحول التاريخي في وقت قياسي ، واقول الوقت لاننا كنا قد دخلنا تحت ضغط الوقت الذي تفرضه سير الاحداث التي تأتي من خارج الحدود وتضرب بامواجها الهائلة وتهز التركيبة السياسية ( الهشة ) للمجتمع السوري ...
ولذلك لكي يختار النظام ( وهو يعيش زهو الانتصار ) هذا الخيار كان ضمنيا يجب ان يتقبل خسارة السلطة ، الى امد غير معلوم ، وهذا كان خيارا مستحيلا وغير وارد ، خاصة بان الرؤية السياسية كانت قاصرة وقراءة الوقائع خاطئة واستشراف تطورات الاحداث كان معطلا تماما ( ولا زال ) .
بكل الاحوال لم يكن هذا الخيار مطروحاً من الاساس في الدوائر الضيقة ، وكان يتداول على مستوى بعض الافراد من "الحمائم" ومن بعض المقربين من الرئيس اعرف منهم مناف طلاس الذي انشق عن النظام مؤخرا ، وكانت هذه الاراء تطرح كما ذكرت كآراء شخصية في جلسات غير رسمية يتم الحديث فيها عن المستقبل ولم تتحول الى خيار يدرس جدياً على الاطلاق ولم تلقَ اي اذناً صاغية لها منذ البداية.
وبالتالي تفتق ذهن القيادة بعد اعتمادها على خطة "مواجهة" الاحتجاجات ان حدثت (كامتداد لسياستهم المتبعة منذ سنين في التعامل مع الازمات) .. تفتق ذهنها عن استراتيجية خطيرة اعتقد بانها هي التي ذهبت بالبلاد الى ما نحن فيه ، عرفت تحت مسمى نظرية "دراسة الاخطاء".
وهذه النظرية ببساطة تقول بان الانظمة في تونس ومصر سقطت نتيجة اخطاء ارتكبتها تلك الانظمة ، يجب تحديد هذه الاخطاء ، والاستفادة من التجربة لمنع تكرار هذا السيناريو في سوريا ، يمضي هذا على التوازي للسعي بكل ما هو ممكن الا تسقط الثورة في ليبيا واليمن الانظمة هناك.
وبعد الدراسة كان هناك نتيجتين كارثيتين قدمت كحلول لتجنب تلقي النظام ذات مصير نظام بن علي ومبارك :
اولا : يجب استخدام القوة المفرطة منذ البداية لؤد اي تحرك بكل قسوة حتى لا تمتد الموجة الى مناطق اخرى.
ثانيا : عدم تحييد الجيش وزجه في المعركة لان تحييد الجيش سيؤدي حكما الى سيناريو يشبه السيناريو المصري.
للامانة ليس لدي معلومات كيف تمت هذه الدراسة وكيف اتخذ القرار ، ولكن الذي اعلمه بانه وقبل بدء الاحداث في سوريا بدأ المسؤولون في الحلقة الثانية الترتيب والتوجيه ضمن هذه الخطة واتخاذ كل الاجراءات لتنفيذه فور ظهور اي تحرك على الارض.
وربما هذا ما يفسر العنف الشديد الذي وجِهت به التحركات في درعا ( ولم تنادي منذ بدايتها باسقاط النظام ) ، ولم يكن هذا العنف مفهوما للكثيرين ، ولكنه كان مقررا بناءا على خطة مسبقة كما ذكرت ولا يمكن التراخي في تنفيذ الخطة ( بحسب قناعة القيادة ) لان هذا سيشجع الاخرين على التحرك وخروج الامور عن السيطرة.
وهكذا بدأ القرار الكارثي بالـ "مواجهة " يصل بأشكال مباشرة وغير مباشرة الى الدوائر الاخرى ، ويضع كل من يشارك في ادارة شؤون المجتمع السوري امام خيارين ان يكون شريكا في "جريمة" قادمة لا محالة ام يرفض هذه الشراكة وبالتالي يسحق بقبضة النظام التي لا ترحم.
ولم يكن امامنا في بداية الاحداث في شباط الى بدايات شهر نيسان ، الا ان نحاول التأثير باتجاه تغيير هذا القرار الذي استشعر خطورته جميع من ادرك ملامح المرحلة القادمة ، والنتائج "المرعبة" التي قد نحصدها جراء تطبيقه ( وكانت النتائج ابشع من كل التوقعات واكبر من التخيلات كما ظهر لاحقا).
ولم يكن لي ان "اساير" في مثل هذا القرار و"امتثل" للبنود التنفيذية للخطة التي بدأت تتبين لنا تباعا ، لانه يمكن للانسان ان يقبل ( ويبرر لنفسه ) الخضوع للابتزاز في أمنه ولقمة عيشه في مقابل ان يتخلى عن حقوقه السياسية و يتغاضى عن بعض الفساد هنا وكثير من السرقات هناك ( وهذا كان حال معظم السوريين) .. ولكن هذا لا يعني انه يقبل بطبيعة الحال ان يصبح شريكا في جريمة تزهق بموجبها الارواح.
وهنا من المفيد ان اروي حادثة كانت في بداية عملي في الصحافة ( وكان الحماس يطغى على باقي العوامل التي تسيرني ) عندما قابلت احد المسؤولين الكبار لاشتكي له ضغوطا تمارس علي لكي اوقف تحقيق صحفي عن موضوع المناطق الحرة،التي يدخل منها الى السوق المحلية كل ما هو ممنوع فيه، فجاءني الجواب "مذهلا" بان اعترف المسؤول بان هذا "فساد" ولكنه "فساد حضاري" وقال لي "فقط ادخل الى تلك الصالات اليست واجهة حضارية للبلد !!!! " .. اعتقد لم يكن بامكانه ان يتكلم باكثر من ذلك .. ؟
ولكن ماذا اذا كانت الشكوى عن "القتل" .. لا اعتقد بان كلمة "قتل حضاري" ستكون كافية لكي نمضي في هذه الخطة الكارثية..
وبدأ بالفعل "القتل" في درعا وكان على النظام ان يظهر القسوة والصلابة بداية لاتباعه في الحلقات الضيقة لتوجيه رسالة حازمة "اياكم وان تفكروا في عدم التنفيذ " ، ليضمن سير الخطة حسب ما رسمت بالتحديد ..
وهكذا استمرت "الاخطاء " ونفخ النظام في الشرارة عندما سقطت في سوريا وعوضا عن بذل الجهود لاطفائها نفخ فيها وحولها الى حريق كبير ..
ولذلك يجب ان نتحدث عن كواليس ما حدث بدرعا بقليل من التفصيل للاهمية ..
يتبع ..
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=152814