الحلقة الأخيرة ..
الجزء الاخير من "ثورتي على جمال الطويل"
لن اسهب في عرض الرواية التي باتت معروفة للجميع عن كيفية اشتعال الوضع في درعا ، ببساطة البطء في فهم ما جرى في المنطقة ، والغرور الذي اصيب به النظام ، كان كفيلا بان ينفخ من حيث لا يدري في اي شرارة تصل الى حقله ليشعل نار الثورة فيه.
حصل الذي حصل ، وافضل من روى بداية القصة ( اضغط لمشاهدة الرابط ) هو عضو مجلس الشعب "يوسف ابو رومية " ، وقد أكد بان التظاهرات خرجت سلمية ( بعد حادثة احتجاز الاطفال المعروفة ) وكانت تنادي بالاصلاح في بداية الامر ، وصولا الى كيفية تعامل " عاطف نجيب مع هذه التحركات واطلاق النار على المتظاهرين ومنع تقديم الاسعافات للجرحى .. الى اخر الرواية...
قدمت درعا اول شهداء الثورة ، وجرت محاولات لاحتواء الامر بين مطالب قدمت من اهالي درعا لم تذكر حينها اي شيء عن اسقاط النظام ، بل هي مرفوعة له ، تتحدث عن محاسبة المسؤولين الامنيين والمحافظ وعدم ملاحقة المصابين واهاليهم .. الخ.
لم تنفذ وعود الرئيس التي نقلها مبعوثه الى درعا حينها رستم غزالة ، وكل الذي حدث ان المحافظ فيصل كلثوم اقيل وذهب ليقضي "استراحة" في فندق في احد مصايف حمص ، وتم ابعاد عاطف نجيب عن الاضواء ، لم تتم المحاسبة..
حتى في الزيارة التي قام فيها وزير الادارة المحلية ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد كانت كارثية ؟
فعوضا عن تهدئة النفوس واحترام حزن اهالي الشهداء ( وقد اعترف النظام على لسان مبعوثيه انهم شهداء وشارك في تعزيتهم ) فقد انشغل عناصر المرافقة والمسؤولون المحليون والقادمون في "الدبك" والرقص واطلاق الهتفات والغناء في ساحة المدينة دون اقامة اي حرمة للحدث الذي زلزل سوريا على مدى الاشهر الـ 17 الماضية. ( اضغط لمشاهدة الفيديو).
وخرجت المظاهرات ولوحق المتظاهرون واستمر القتل وقبض على الجرحى واعتقل من اعتقل .. حتى ان النظام اعتقل "المفاوض" من اهالي درعا ذاته ، بحسب معلوماتي.
مع الاسف ثبت مع مرور اشهر الازمة الطويلة الثقيلة بان النظام لا يمتلك القدرة ولا المعرفة للتعامل مع مطالب شعبه الا بهذه "الخلطة" التي يبلغ عمرها عقودا طويلة .. وهي "خلطة" فسدت ولم تعد تصلح لهذا الزمان.
ولم يستشعر حجم الغضب والغليان الموجودين نتيجة عقود طويلة من السلوك القمعي ويدرك بان الارضية مهيأة بشكل كبير لاحداث ثورة .. ثورة انكرها النظام بإصرار منذ بدايتها وسينكرها حتى النهاية.
على مسار الاعلام كانت الضغوط تزداد ، ويتم في اي لحظة جمع رؤساء التحرير مثل العسكر ( خلال نصف ساعة ) عند صاحبنا جمال الطويل ، الذي بات اكثر جلافة و حدة في تعاطيه مع الاعلاميين ..
استطاع جمال الطويل بكل مهارة ان يذكرني ( كما غيري ) باني مجرد "عبد" اسود اعيش في مزرعة وحياتي ملكٌ للسيد الابيض .. استطاع ببراعة ان يسقط كل دفاعاتي التي كانت تعمل لتحصنني من الحقيقة .. حقيقة باننا مواطنون بلا كرامة.
واثبت لي ما هو مثبت ( واحاول نسيانه ) ، بان السيد لا يضطر ان يشعر الرقيق بانه مجرد عبد حقير لا يملك ان يعارضه ، الا حين يقول هذا العبد كلمة لا .. او يمتنع عن اطاعة الاوامر ..
تحت " نقمة " الضغوط التي كانت تصاحب حياة كل صحفي في سوريا ، في وقت مبكر من الاحداث اصابتني حالة اكتئاب حاد .. وظهرت علي ما يرافق هذا الاكتئاب من اعراض معروفة تجعل من الحياة جحيماً لا يطاق.
وتحت هذا الظرف كان لازماً علي ان اجري بعض الفحوصات الطبية ، وفيما انا في جهاز المرنان المغناطيسي في المشفى كان لا يمكن لهاتفي الجوال ان يكون معي .. وعندما انتهيت من بعض الفحوصات التي استغرقت حوالي الساعتين..
خرجت بعدها الى سيارتي لارى عشرات الاتصالات آتية من مكتب "جمال الطويل" ، وهكذا كانت العادة عندما لا تتلقى اتصالهم الاول فانهم يتابعون "مسعورين" اعادة الاتصال ومن كل هاتف محمول او ثابت لديهم حتى يتلقوا الرد ..
وبالفعل ما ان جلست وراء مقود السيارة حتى رن الهاتف ، وحولني مدير المكتب الى "المعلم" .. وكان يحدّث احدا بجانبه بعصبية شديدة .. شتائم و"بشحط" و" بدعس" .. الخ .. استغربت الامر وانتظرت حتى ينتهي من حديثه الجانبي .. وصمت ..
وجاءني صوته يصرخ في الهاتف " هيي .. معلوف " .. " عم احكي معك " .. !!؟
لم يغفر جمال الطويل ذنبي باني لم ارد على "قداسته" وانا في جهاز المرنان في المشفى ..
وتابع حديثه الوقح الصفيق مشهرا سوط "السيد" في وجهي يجلدني بكلام لم يوجهه انسان لي في حياتي من قبل وانا صامت في ذهول ..
.....................
لم يحرق البوعزيزي نفسه لانهم صادروا عربته ، بل ان الحدث شكل نهاية "حّدية" لقدرته على الاحتمال.
كما لم يخرج التونسيون في ثورتهم لان البوعزيزي احرق نفسه .. لا لم يخرجوا من اجله على الاطلاق ، بل خرجوا لان كل واحد فيهم كان يعيش فيه بوعزيزي اخر ..
بوعزيزي بما يحمله من قهر وظلم وذل وعبودية ..
عندما يستمر الظلم والقهر ويتراكم ويصل الى حد الطغيان ، يصبح لكل واحد منا قصة..
هي ليست قضية شخصية .. ليست قصة جمال الطويل ، ولا قضية صغيرة نختزلها ببرميل شراب .. او عربة بيع خضار .. او شتيمة من مسؤول .. او "كفين" من عنصر مخابرات ..
بل هي قضية بحجم الحياة البشرية هي قضية .. كرامة ..
و ثورة الشعوب ببساطة هي ادراك عام بالقهر والظلم .. ادراك عام بانعدام الكرامة .. قد تتشابه القصص وقد تختلف ولكنها في النهاية تعود الى منشأ واحد..
والثورة دائما ذاتية .. لا احد يثور لغيره .. وهكذا لا تحدث الثورة الا اذا امتهن الحاكم كرامة شعب باكمله .. لكل قصته ولكن الهدف واحد ..
الموت ولا المذلة ..
صرخة أبى النظام في سوريا الا ان يفهمها على طريقته ..
كانت صرخة لاستعادة الكرامة وليس رغبة منا في الموت ..
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=153128