أعلنت إثيوبيا عن البدء في تحويل مجرى النيل الأزرق تمهيداً للبدء في إنشاء ما يسمى بسد الألفية أو سد النهضة وذلك قبل تقرير اللجنة الثلاثية الدولية التي تتكون من مصر والسودان وإثيوبيا وبعض الخبراء الدوليين مما يؤكد عزم إثيوبيا ومضيها في بناء السد بغض النظر عن تقرير اللجنة.

بالنظر بعمق وموضوعية الى قضية سد النهضة الإثيوبى سنرى أن القضية ليست فقط قضية صراع على المياة , صحيح أن السد سينتقص من حصة مصر ومقرراتها المائية من مياة النيل والتى تقدر بحوالى 55 مليار متر مكعب من المياة , وأن تخزين 74 مليار متر مكعب من المياة فى غضون ثلاث سنوات سيكون خصما من حصة مصر والسودان بحيث يقول الخبراء أن ذلك سيكون له تأثيره السلبى على إنتاج السد العالى من الطاقة الكهرومائية الى جانب تبوير حوالى مليون فدان , وأن إطالة فترة التخزين لأكثر من ثلاث سنوات " 5 _ 10 سنوات " ستجعل مشروع سد النهضة غير مجدى إقتصاديا بحيث لن يجنى المستثمرون والممولون للمشروع عائداتهم سريعا وبالتالى لن تقبل إثيوبيا بذلك الحل .

ماهو أخطر من ذلك هو مدى ما يمثله هذا السد من خطورة على الأمن القومى المصرى وتهديده للسد العالى , فهذا السد بسعته التخزينية المعلنة سيتحكم فى مياة النيل بشكل كامل , وبالتالى يصبح السد العالى تحت رحمة إثيوبيا , إن شاءت أدارته وإن شاءت أوقفته عن العمل , لذلك سيصبح هذا السد أداة ضغط قوية على مصر بحيث لن تصبح قراراتها سيادية وإنما ستملى عليها القرارات ممن يتحكم فى السد فى إثيوبيا سواء كانت إثيوبيا أو أية دولة أخرى .

كما أن إنهيار هذا السد لأى سبب ما سواء كان بفعل عوامل الطبيعة كالهزات الأرضية أو لخطأ هندسى فى التصميم وعدم وجود إدراك كامل للتغيرات الجيولوجية التى ستحدث نتيجة تخزين 74 مليار متر مكعب من المياة خلفه , أو بسبب عمل عسكرى عدائى موجه ضد إثيوبيا أو إحدى دول المصب فيه دمار وهلاك تام لدول المصب مصر والسودان , يقول الخبراء أنه فى حالة إنهيار هذا السد الخرسانى وإندفاع المياة المخزنة فى إتجاه دول المصب فإن تأثير ذلك هو غرق مدينة الخرطوم فى بحيرة من المياة إرتفاعها 9 أمتار , وفى حالة إمتلاء بحيرة ناصر بالمياة فسيؤدى ذلك الى إنهيار السد العالى وستتأثر مصر بنفس الدرجة كالسودان تماما , أما فى حالة كون بحيرة ناصر فارغة فستمتلىء البحيرة ويغرق السد العالى وسيمر من فوقه مليار متر مكعب من المياة يوميا بحيث ستنهار كل القناطر على النيل كقناطر إسنا والقناطر الخيرية وستغرق مصر أيضا فى بحيرة من المياة .

والواضح إن إثيوبيا لا تحتاج لمثل هذا السد العملاق ، ولا تحتاج لما يقارب الستة ملايين ميجا وات من الكهرباء، ويبدو أن المقصود من هذا السد ليس ما هو معلن وإنما المقصود هو الضغط عبر هذا المشروع على دولتي مصر والسودان لمصلحة الغرب و"إسرائيل" كحلقة من حلقات إدارة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط .

لو أن التأثيرات السلبية لسد النهضة تقف عند حد الخصم من الحصة المقررة لمصر بموجب الإتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين دول حوض النيل لكان الأمر هين ولبدأنا الشروع فى مشروعات موازية لتوفير المياة مثل إستكمال قناة جونجلى أو تحويل نهر الكونغو ليصب فى أحد روافد نهر انيل ليغذى دول المصب مصر والسودان , لكن خطورة سد النهضة هى فى تأثيره السياسى على القرار المصرى وتأثيره المدمر فى حال إنهياره , لذلك فإذا قدر له الوجود فستكون مصر أحرص على حمايته من إثيوبيا نفسها , ولابد من تواجد ومشاركة مصرية قوية فى الإشراف على بناء هذا السد وتشغيله , أما البديل الوحيد لذلك فهو تدمير هذا السد قبل أن يظهر للوجود .