الحزب الشيوعي الفلسطيني هو أول حزب اشتراكي قام في فلسطين عام 1919، سنتين بعد الثورة البلشفية وصعود نجم لنين في روسيا، ليحمل فكر الاشتراكية والشيوعية الأممية (Comintern) في سنوات الانتداب البريطاني الأولى في فلسطين باشتراك ناشطين سياسيين عرب ويهود من التيار اليساري الذين رأوا في الصهيونية حركة رجعية لا يمكنها أن تُحقق مطالب الشعب اليهودي بتوفير وطن له.

معاداة الحزب للصهيونية كانت مبنية على فكرة أن الصهيونية تخدم الاستعمار البريطاني، أعتى أعداء الشيوعية التي تنادي بثورة الشعوب وحقهم بالحرية، مما دفعهم (إلى حد ما) إلى تأييد المقاومة الفلسطينية ورؤية وجه الحق فيها.

في أواسط العشرينات بدأ الحزب بالعمل جدياً للتغلغل في الوسط العربي، البعيد أيديولوجياً عن الفكر الشيوعي، لكن المحاولات باءت بالفشل، وحافظ الحزب الشيوعي على أغلبية يهودية في دولة ذات غالبية عربية وهو ما لم يتلائم مع تطلعات القيادة العليا للحزب في روسيا والتي واصلت ضغطها ليتم تعيين رضوان الحلو عام 1934 كأول سكرتير عربي للحزب.

بين الأعوام 1936 و 1939 (الثورة الفلسطينية الكبرى) حصل تفسّخ كبير في الحزب بسبب تباين آراء أعضاءه بين مؤيد للثورة وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة، وبين معارض للاعتداء على اليهود، وهو ما أدى لترك قسم من الأعضاء اليهود للحزب.
في هذه الفترة برز على الساحة وجه جديد هو شموئيل ميكونيس، حيث أدار قسماً تابعاً للحزب سُمي بـ"فرقة إميت" (فرقة الحقيقة) والتي دأبت على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين لأسباب تختلف ربما عن دوافع الصهيونية، حيث ادّعت الواجب الانساني بدل العقائدي مما أدى لزيادة شعبية الحزب بسبب المهاجرين الجدد أو بسبب تأييد اليهود الذين كانوا في فلسطين سابقاً لهذه الخطوة حيث أنها خلصت الكثيرين من المحرقة النازية.
هكذا استطاع الحزب الشيوعي الفلسطيني أن يمسك العصا من الوسط، فدعم العرب في ثورتهم واستقبل اليهود في فترة الحرب العالمية الثانية مما لم يترك عليه مماسكاً جدّية من كلا الطرفين.

في عام 1940 حصل أكبر صدع في العلاقات بين الحزب الفلسطيني وبين القيادة العليا في روسيا بسبب نظرة قيادة الاتحاد السوفييتي للصراع العربي اليهودي، حيث كان موقف الاتحاد السوفييتي معارضاً لاقامة دولة يهودية، وذلك جاءت بعد نكسة سابقة في العلاقات بين الحزب الشيوعي الفلسطيني والقيادة حين طالب السوفييت فرقة "إميت" بالحياد في الحرب العالمية اثر توقيع اتفاق مولوتوف-ريبنتروب عام 1939 والذي يقضي بعدم مشاركة الاتحاد السوفييتي أو ألمانيا في أي اعتداء يتعرض له أحدهما، وهو ما أثار الحزب الشيوعي الفلسطيني وبخاصة الأعضاء اليهود الذين رأوا في ألمانيا جزاراً يقضي على أبناء جلدتهم دون تدخل أو إدانة من قبل قيادتهم.

في عام 1944، حصل الانشقاق بين الأعضاء العرب واليهود، حيث شكل العرب وعلى رأسهم إميل حبيبي، إميل توما، توفيق طوبي وبولس فرح عصبة التحرر الوطني التي طالبت بحق إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين، في حين استمر ثلاث أعضاء يهود بتمثيل الحزب الشيوعي في جمعية النواب.
استمر هذا الانشقاق حتى عام 1947 حين أعلن السوفييت تأييدهم لقرار التقسيم بخطاب غورميكو الشهير مما حدا بقسم من عصبة التحرر أن تميل نحو موقف الاتحاد السوفييتي وتدفع بالقسم الآخر إلى اعتزال الحزب معارضةً لقرار التقسيم.
أدى هذا الخلاف في العصبة إلى قرار العودة نحو الحزب الشيوعي الاسرائيلي والرضوخ للأمر الواقع لعلّ وعسى أن يتوصّل القادة العرب إلى اتفاق مع الدولة الحديث يأخذ فيه الجميع نصيبه حسب ما ارتضته جمعية الأمم المتحدة... وهو ما لم يحدث حيث أن اسرائيل حصلت على نصيب الدولتين.

عام 1946، تشكلّت الجبهة العربية العليا التي ضمّت أحزاباً وكتلاً فلسطينية مختلفة كان منها أعضاء من عصبة التحرر (وأشهرهم إميل توما) بهدف إقامة قيادة قوية قادرة على استلام السلطة في الدولة المستقبلية، لكن جامعة الدول العربية تدخلّت وألغت هذه الجبهة مما أضاع فرصة المقاومة المنظمة من يد الفلسطينيين في حرب النكبة.
__________________________________

هذه هي بعض القبسات من مسيرة الحزب والتي أظنها كانت الأكثر تأثيراً على طول الطريق منذ بداية تأسيسه حتى انتهى بما يُسمّى اليوم حزب الجبهة.
أتمنى من الزملاء المطلعين على الأمر افادتنا ببعض المعلومات أو إدلاء آرائهم في الموضوع..