الزميل الفاضل الصفي

شكراً لإيضاحك الموجز والمباشر

واعيد من جديد تلخيص الوحي في المسيحية .

الوحي المسيحية

يلخص الكتاب الوحي في المسيحية في الآية التالية : " الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي " (عب1:1-3).
فقد تدرج الله في الإعلان الإلهي وبدأ بظهورات إلهية في أشكال تقترب مع البشر، شبه بشرية ، وظهورات ملائكية (ملاك الرب)، وتعامل مع آدم وغيره من الآباء إلى موسى النبي ، ثم بدأ يكلم البشر من خلال مظاهر شبيهة بالظواهر الطبيعة كالرياح والعواصف والنار والسحاب والبروق والرعود 00 الخ ، مثل آدم وأيوب وإيليا وموسى النبي ، ولا يفهم منها أن الله محدود أو أنه يمكن أن يرى لأن الكتاب يقول في العهد القديم " لا يراني الإنسان ويعيش " ويقول في العهد الجديد " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " ، وأيضا " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس ولا يقدر أن يراه " (1تي6 :16).
ثم من خلال الرؤى الإلهية والأحلام الإلهية " أن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا أستعلن له في الحلم اكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين " (عد21: 6 -8). ومن خلال حلول روحه القدوس على بعض الأنبياء وتكلم على فمهم وبلسانهم وعن طريقهم " وحي داود بن يسّى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح اله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو. روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني " (2صم23 :1-3). وأرسل الملائكة في إعلانات محددة لبعض الأنبياء مثل دانيال النبي وزكريا الكاهن والعذراء القديسة مريم. وكان التجسد هو ختام وقمة إعلان الله ووحيه.
وأخيراً ظهر في الجسد بكلمته، المسيح ، تجسد وحل بيننا. ومن ثم يعبر التجسد عن صميم وجوهر وقوة العلاقة بين الله والإنسان عبر التاريخ من خلال العلاقة المباشرة مع الله . وفي هذا الإعلان والوحي المباشر بين الله والإنسان مباشرة يعبر عنه الكتب بالتعبيرات التالية:
1 – تنازل الله ، فهو ليس المتعالي بل الذي تنازل حباً في تاج خليقته الإنسان. ومن ها تخاطب مع البشرية من خلال كلمته المتجسد الابن الوحيد والفريد رأت البشرية مجده " والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا " (يو1 :14).
2 - أخلى ذاته وظهر في صورة العبد " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا للّه لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس " (في2 :6و7).
3 – أفتقر وهو غني " فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره " (2كو8 :9).
4 – ظهر في الجسد " وبالإجماع عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي3 :16).
5 – جاء في ملء الزمان مولوداً من امرأة " ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني " (غل4:4و5).
6 – وجرب مثل البشر في كل شيء " لان ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب4 :15).
فالوحي في المسيحية هو وهي الشخص ، ووحي الاختبار، فالله يقدم وحيه الكامل وهو كلمته الذاتي يسوع المسيح ، على البشر ومن خلاله يختبرون في صميم وجودهم ومعاناتهم سر ظهور الله في التاريخ ، وقد عاش التلاميذ مع المسيح وتعلموا منه مباشرة وهو القائل " تعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم " (مت11 :29)، وشاهدوه ومن ثم شهدوا له يقول القديس يوحنا بالروح " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح " (يو1:1-3).
وأيضاً " والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا " (يو1 :14).
وقال القديس بطرس الرسول " لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته " (2بط1 :16)، وأيضاً " نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات " (أع10 :41).
ومن ثم صار الوحي المكتوب في الإنجيل بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد هو اختبار للوحي المتجسد، اختبار الحياة المعاشة مع المسيح ، الله في علاقته بالبشرية من خلال إخلائه لذلته وتنازله واتخاذه للبشرية ومشاركتها في حياتها وتجاربها وآلامها " لان ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب4 :15).
والوحي المتجسد هنا هو قمة الإعلان الإلهي في تاريخ البشرية فهو تفاعل مباشر بين الله والبشرية ، علاقة مباشرة بين الله والبشرية ليس بها وسيط هو الملاك ثم النبي ، بل الله بكلمته أتخذ صورة العبد ونزل من السماء وحل بين البشرية التي رأت مجده " وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا "، وتعايشت معه في تجسده وإخلائه لذاته . فالله هو الذي يبادر في علاقته مع الإنسان وهو الذي يقترب من الإنسان ويقترب منه ولا يتعالى عليه لذلك لا تستخدم المسيحية تعبير " الله تعالى " لأنه يجعل الله متعالي على خليقته ، بل تستخدم تعبير ، الله نزل على البشرية " أخلى نفسه أخذا صورة عبد " ؛ تجسد، أتخذ صورة العبد، أخلى ذاته ، أفتقر وهو الغني 00 الخ
ومن هنا يلجأ المسيحي إلى مدلول كلمة الله المدونة بالروح القدس في كتابه المقدس ويرى مستشفا صورة الكلمة المتجسد من خلال اختبار الأنبياء والرسل في العهدين القديم والجديد إعلان الكلمة الإلهية في كلمته يسوع المسيح .
فالمسيح ليس مجرد رسول يأتيه الوحي بطرقه المختلفة بل هو كلمة الله الذاتي النازل من السماء . لذا يمكن أن يقارن الوحي في المسيحية في بعض أنواعه بفكرة الوحي في الإسلام، ولكن وحي المسيحية الرئيسي هو وحي الشخص النازل من السماء، كلمة الله الذاتي ولأنه كلمة الله النازل من السماء قال المسيح لرؤساء اليهود :
" انتم من أسفل. أما أنا فمن فوق. انتم من هذا العالم. أما أنا فلست من هذا العالم " (يو8 :23). ولذا فهو الوحيد الذي يستطيع أن يعطي صورة حية عن الله ويعلن عن إرادته وفكره فيقول " كل شيء قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (لو10 :22).
وقال عنه يوحنا المعمدان " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع. والذي من الأرض هو ارضي ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع. وما رآه وسمعه به يشهد وشهادته ليس احد يقبلها. ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق. لان الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله. لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح. الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده " (يو3 :22 -25).


تحياتي

الراعي / عمانوئيل