مع هذا فلقد أغفل الكاتب النظريات اليسارية الاشتراكية وحلولها البديلة، وإن كانت هذه النظريات نفسها تصب في فرضية "زوال الدولة" أيضاً.

دور "اليسار الاشتراكي" دور مهم، لأنه يتوسط الحل "العولمي" و"النهج الاسلامي"؛ فهو مثلهما في عصفه بالدولة وهو مناويء لهما في خياراته العملية.

لعل هناك من يقول بأن "اليسار" مات منذ انهيار الكتلة الشرقية والاتحاد السوفياتي. ولكني لا أعتقد بذلك مطلقاً، فتراجع اليسار هو غيبوبة سوف توقظه منها التداعيات الدولية الحاصلة اليوم وتطور الرأسمالية الى امبريالية لا تبقي ولا تذر. فالاسلاميون لا يستطيعون أن يشكلوا جبهة أمام الامبريالية العالمية لأنهم لا يملكون مشروعاً. وحده اليسار من يملك هذا المشروع حتى الآن، رغم فشله في القرن الماضي.

عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، كتب "جان زيغلر" - أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنيف والبرلماني المعروف - كتاباً سماه "إلى الغد يا كارل". فلقد "تنبأ" زيغلر بأن "كارل ماركس" لم يمت كما يتوهم المتوهمون، وإنما هي سنين ويعود من جديد، لأنه الوحيد الذي ما زال يملك مشروعاً جاداً للرد على الرأسمالية الحديثة.
أعتقد بأن "جان زيغلر" ليس مخطئاً كثيراً. والأيام قد تكذبني ... وتكذبه.

بقي أنني لست ضد "انتهاء الدول". فالدولة عندي كانت دائماً "وسيلة" وليست "هدفاً". فليس من المهم أن يكون لي دولة، ولكن من المهم أن أعيش بكرامة على هذه الأرض في رحلة حياتي.

هناك من يقول بأن الدولة هدف بحد ذاته، لأن الشعوب بدونها لا تستطيع أن تحقق ذاتها كمجموعات متمايزة رغم اتباعها للجنس البشري. هؤلاء عندهم أن الدولة هي "الهدف" لأنه بدونها لا مجال لتحقيق "كرامة" الفرد.

عندي أن "كرامة الفرد" هي "الهدف"، وا لدولة بالتالي هي إحدى الوسائل. فكرامة الفرد الأجنبي في الدول الغربية أعلى من كرامة المواطن في دولنا العربية.

الدولة عندي إذاً هي "وسيلة"، وهي مطلوبة طالما أعطت سقفاً أعلى لتأمين "كرامة الإنسان"، أما عندما تتحول إلى "سوط وجلاد وسجان" فلا معنى لها، بل أن سقوطها أفضل بكثير لأبنائها من محض وجودها.

هنا يأتي السؤال، لو كان هناك خيار بين الاستقلال تحت حكم فاسد ونظام قامع وبين الاحتلال من قبل دولة تحفظ حقوق الفرد أكثر من الدولة المستقلة التي تجرع شعبها الأمرين، فأيهما تختار؟

واسلموا لي
العلماني