العزيز بلال

في كلامك بعضُ صحيح، والبعض الآخر جانبت نظرته الصواب.

ليس الدين بالنسبة للمسيحيين بمثابة الانتماء الوطني أو القومي أو معادلاً لهما، بل هم لا يعتبرونه انتماء، إنه ختم وبصمة طبعت حياتهم، وطريقة للتعامل مع أنفسهم ومع الآخرين ومع الخالق وحسب. لذلك يشعر المسيحي بحاجته الطبيعية للانتماء ولا يجد أمامه سوى أرضه التي يقيم بها والناس المحيطة به فيجعلهما انتماءاً له بحيث يكون صالحه في صالحهما وبالعكس. فولاء المسيحي لدينه لا يتعارض بتاتاً مع ولائه لبلده أو وطنه. بينما يمكن أن ترى عند بعض المسلمين رفضاً لأي انتماء آخر بحجة أن الولاء للدين له ما يفرضه فرضاً على بقية الاعتبارات الأخرى، وحتى لو وجدت وطنية فستجد أن سببها غالباً هو ديني وأمر إلهي. ما يميز المسيحي هو أن هذا الولاء طوعي، وبمحض إرادته وخياره للأسباب الآنف ذكرها.

نشأت في بيئة أرثوذكسية، تعلمت في مدارس مسيحية، أرثوذكسية وكاثوليكية أيضاً. وفي الحي الذي قضيت فيه طفولتي وكان أغلبه من الأرثوذكس لم أعرف أحداً من أصدقائي إلا باسم عربي، تصور لأي حد، فالأسماء الغربية التي تُظهر بوضوح مسيحية صاحبها كانت أكثر من نادرة، ولم يكن في الحي سوى صبي واحد اسمه جورج. لم يتعلم أهالينا ذلك في المدرسة، ولم يحصلوا على استشارة في ذلك، إنما كان تصرفاً نابعاً عن سليقة، عن شعور غير مقصود.

هذا من ناحية.

أما من ناحية أخرى، فالمذهب المسيحي لايشكل عائقاً أمام صاحبه للاحساس بالانتماء الوطني ومن هنا قلت أن بعض رأيك جانب الصواب. وكي لا نذهب بعيداً، إليك مثالاً من نادينا الأغر: الزميل العزيز "ابن العرب"، وهو كاثوليكي وليس أرثوذكسياً، لكنه يضع عروبته فوق كل شيء، إن بالاسم أو بالفكر. وكثير من الكاثوليكيين العرب كانت لهم أيضاً مواقف وطنية مشهود لها. ولا تنسى أن الانتماء هو خيار صاحبه وليس فرضاً يفرض عليه!

الجزء الأكثر صحة في كلامك هو أن مسيحيي بلاد الشام بالفعل يشعرون بذلك ربما أكثر من غيرهم، وقبل أن تسأل أقول لك أن السبب هو المسلمون في بلاد الشام أنفسهم، وأترك تفسير ذلك لغيري.

مصلحتي الشخصية هي من مصلحة ما / ومن حولي، شعب، مدينة، بلد، دولة، أمة ... فإن كانوا بخير فأنا بخير، فإن كان ولائي لغيرهم فأنا من الخونة.

(f)