اقتباس:لماذا لا يعتبر الفكر الديني (اي كان ذالك الدين ) هو فكر قبال الأفكار الأخرى

لأن "الفكر الديني" (إذا ما كان هناك "فكراً" دينياً) لا يرى الدنيا إلا من خلال "فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان". إنه، في عرف نفسه، على "حق مطلق" وغيره على "باطل مطلق"، وعليه أن يصرع الباطل حتى تكون "الأرض كلها لله". أوليس هذا معنى الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"؟

المتدين لا يعتبر "رأي الآخر المخالف" وجهة نظر ورأيه هو أيضاً "وجهة نظر"، وعندما قال الشافعي أن "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، فإنه لم يعن إلا الخلاف الاجتهادي داخل العقيدة وليس الخلاف بين "مؤمن" و"كافر".

الله هو "الحق" عند المؤمنين، ورسالة "نبيه" حق وكتابه "حق"صراح لا يأتيه الباطل مطلقاً. المشكلة أن هذا "الإيمان" بأحقية الرسالة يستتبع في "بعض الأديان" نوعاً من "حرب مقدسة" على الطرف الآخر، يمنع التعايش بين "المؤمن" و"غير المؤمن". هكذا نجد أن من يحارب ويموت في نزاعه مع "الآخر المختلف" يصبح "شهيداً" وله "جنات تجري من تحتها الأنهار".

المشكلة الأساس إذاً، أن "المؤمن" لا يريد أن يتكيف داخل منظومة اجتماعية إلا بنسفها وتغييرها بما يوافقه هو. وما يوافقه هو أحكام ومنظومات خلقة بالية قد بال عليها الدهر وسكر وشرب منذ زمن طويل. ومع هذا فهو يتمسك بها تمسك أبو بكر بعقاله.

المشكلة هي أن "مثال المؤمن وقدوته الحسنة وعصره الذهبي" هو في الماضي. وهمه هو أن يعيش يومه كما كان "أصحاب الرسالة" التي يؤمن بها يعيشونه؛ لا إبداع ولا تغيير ولا تطور ولا رقي في هذا العالم عنده، لأن هذا "مناقض لإيمانياته". لذلك علينا أن نمشي إلى الأمام ونحن نلتفت خلفنا، ومن ضرب رأسه منا في أول "عمود نور" في الشارع فإنه يموت "شهيداً، شهيداً، شهيداً" كما جاء عن رئيسنا السابق.

ما العمل إذاً؟
على المؤمن أن يتعلم بأن عصر "دار الحرب ودار الإسلام" قد انتهى. وأن المجتمع العربي الاسلامي لن يعود إلى العصور الوسطى، وأن الحياة لا تعيش في منازل الأمس. عليه أن يعرف بأن تمسكه بغبار الكتب الصفراء والنصوص المقدسة لن يمنع "ريح الحرية" أن تجوب خردواته ودهاليزه وسراديبه. عليه أن يفهم بأن أحداً لا يستطيع أن يعتقل الوقت والزمن وتراكم المعارف البشرية ومشيها إلى الأمام. وليته، أخيراً، يفهم بأن يجعل ثوابته، بالتفسير والتأويل والتفكير، تماشي التعددية وقبول الطرف الآخر والعكوف على بناء دول حضارية عوضاً من الانشغال بتكييس النساء وجلد شارب الخمر ورجم الزانية وكيفية الدخول إلى المراحيض، وجميع هذه الأحكام التي لو رآها الله مرة أخرى "لمعط شعره" وشد لحيته وهرب من النافذة.

واسلموا لي
العلماني