ثم انه اختلفت مذاهب المفسرين اختلافا ذريعا تبعا للاعتبارات المختلفة فيما لا بد منه في تفسير القرن من وسائل او خلافات اعتقادية او مذهبية , فمنهم من غلبت عليه الناحية اللغوية كما في كتب ابي عبيدة و الزجاج و الفراء. و منهم من اهتم بغريب القران كالسجستاني و الاصبهاني و غيرهما , و منهم من عني بالاعراب و توسع في بيان وجوهه و ما تحتمله الالفاظ منها , كالكعبري معرب القران , و الجمل في حاشيته على تفسير الجلالين , و منهم من اولع بالنظر في اساليب الكتاب و معانيه , و ما اشتمل عليه من وجوه البلاغة و الاعجاز مع الالمام بشئ من المقاصد , كالزمخشري في الكشاف الذي يعتبر نموذجا لتفسير المعتزلة و رجال مدرسته , و منهم من اهتم بالناحية الشرعية الفقهية , و قد جمع بعضهم ايات الاحكام و فسرها و حدها , و من اشهرهم ابو بكر بن العربي و القرطبي و اصحاب كتب احكام القران, و منهم من توسع في الكلام عن العقائد و منافحة الزائغين و محاجة المخالفين كالامام الرازي , و قد زاد بما اورده في تفسيره من العلوم الرياضية و الطبيعية , و قد اخذ اخذه الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه تفسير الجواهر واغرق في ذلك , فهو يذكر في تفسير الاية بمناسبة كلمة منها كالسماء و الارض فصولا طويلة من علم الفلك او النبات او الحيوان او غيرها , و منهم من اغرب بالتفسير عن طريق التاويل و الرمز و الاشارة , و قد اشتبه على الناس في هذا النوع من التفسير كلام الصوفية بكلام الباطنية و اخوان الصفا, و فرق العلامة الالوسي بان الصوفية يقولون : ان القران يشير الى دقائق تنكشف لارباب السلوك , و يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر التي هي المرادة من القران , و لكن الباطنية يقولون : ان الظواهر غير مرادة .
و قد انكر هذا النوع من التفسير اهل الظاهر و كثير غيرهم من اهل السنة و المعتزلة كابن الجوزي و غيره, و لم ينكر جمهور علماء المسلمين ان يذهب الفهم في النص الى غير ظاهره للقرائن و الملابسات و لكنهم يشترطون الا تتجاوز المعارف الاشارية ما عرف من اصول الاسلام , و يوجبون الايمان و العمل بالظاهر على انه اساس الدين , لان النصوص انما جاءت ليتعبد بها على الوجه الذي يفهم من اللغة العربية و لان الدين انما جاء للناس كافة و ليس لفئة خاصة.