عزيزي اسماعيل .. كان سؤالي بسيطا جدا :

دعنا نتجاوز عبارة التصريحات الصحفية من قبيل : (وهم وغيرهم لا يزالون يؤكدون على رفض الاستقواء على الوطن أو الاصطفاف في المعسكر الفرنسي الأمريكي ) فالسؤال هو : ماذا سيكون موقف الاخوان فيما لو قررت امريكا اقتحام سورية عسكريا ؟؟ .. وماذا سيكون موقفها لو قررت امريكا فرض عقوبات اقتصادية لتركيع الشعب لسوري قبل النظام ؟؟ .. ماذا سيكون رد فعل الاخوان عندها ؟؟ هل سيسرون باعتبار أن هذا كله مقدمات لسقوط نظام الطاغية القرداحي العلوي ؟؟ .. وهل يتوقعون أن يستقبلهم الشعب السوري بالوردو والرياحين وهم يفدون علينا من اوروبا وامريكا لكي يتربعوا على كرسي الحكم ؟؟ ..

فاذا بك تلصق لي بيانا طويلا عريضا من البيانات الثورية للاخوان ..

صدقني فتشت فيه عن الجواب البسيط الواضح الصريح فخرجت صفر اليدين من هذا كله !! ..

صدقني يا عزيزي أنا جاد بسؤالي الذي لم تجب عليه بشكل صريح – لا أنت ولا بيان الاخوان - : ماذا سيكون موقفكم في حال تعرضت سورية لغزو عسكري امريكي ؟؟ .. هل ستكتفون بالبيانات الثورية ؟ هل ستكتفون بتحميل النظام القرداحي النصيري الكافر مسؤولية ما حدث ثم تجلسون متفرجين منتظرين ما ستسفر عنه الأمور ؟ أم تراكم تنسون خلافاتكم مع النظام وتدافعون عن سورية شعبا وطنا وتحملون السلاح في وجه الامريكي ؟ ..

ماذا لم فرضت عقوبات اقتصادية تركيعية على سورية ؟؟ ماذا ستتصرف جماعة الاخوان المسلمين ؟؟ هل سيكتفون بالشماتة بالنظام القرداحي ، ومن ثم يجلسون منتظرين سقوطه بعد أن يموت الشعب نفسه .. أم تراهم يتذكرون أن نصرة الشعب مقدمة على تصفية الحسابات السياسية القديمة مع نظام ستجرفه الصيرورة السياسية والمدنية ؟؟ وأن الدفاع عن الوطن مقدم على العقلية الثأرية الانتقامية ؟؟..

سؤال بريء يحتاج الى جواب صريح بعيد عن الخطب والبيانات التي يجيدها النظام قبل المعارضة ..

لفتت نظري عبارة في كلامك هي :

(ونحن في نفس الوقت لن نفرط في الاستفادة من واقع مفروض على الجميع أقصى حدود الاستفادة، كي نجنب وطننا غائلة العدوان الخارجي، وفي هذا الإطار فنحن ندعو للتغيير الجذري من الداخل، لأن هذا النظام هو الذي جر الوطن إلى هذه الأزمة الخطيرة...)

بعيدا عن السؤال الساذج ( من المسؤول ؟ ) والذي لن يجادل فيه أحد اصلا، فان ما لفت نظري هو تأكيدك على انكم تدعون الى تغيير جذري يستفيد من واقع مفروض !! ( كذا !! ) .. وصدقني لم اتمكن من فهم معنى هذه العبارة تماما ومدلولاتها !!؟ فما المقصود بالتغيير الجذري الذي يستفيد من واقع مفروض ؟ أهي ثورة ؟ أم انقلاب ؟ أم عصيان ؟ أم ماذا ؟

ثم اذا كانت جماعة الاخوان قبلت باعلان دمشق الذي استشهدت به فقد فاتك أن هذا الاعلان انما ينطلق من العمل السلمي من داخل النظام نفسه ! .. وهذه عبارات البيان :

(إقامة النظام الوطني الديمقراطي هو المدخل الأساس في مشروع التغيير و الإصلاح السياسي . ويجب أن يكون سلمياً ومتدرجاً ومبنياً على التوافق ، وقائماً على الحوار والاعتراف بالآخر .. أن عملية التغيير قد بدأت ، ... وهي ليست موجهة ضد أحد، بل تتطلب جهود الجميع . وهنا ندعو أبناء وطننا البعثيين وإخوتنا من أبناء مختلف الفئات السياسية والثقافية والدينية والمذهبية إلى المشاركة معنا وعدم التردد والحذر )

وهذا ما صرح به بالفعل ميشيل كيلو عبر قناة دبي بالحرف ( وعبارة العمل السلمي من داخل النظام هي عبارة كيلو ) .. فهل لنا ان نفهم ما معنى ( التغيير الجذري الذي يستفيد من واقع مفروض ) ؟؟..

عزيزي اسماعيل .. عندما سألتك : عن أي معارضة تتحدث بالضبط ؟؟ وعن اي ساحة تتحدث ؟؟ وعن اي تحرك تتحدث ؟؟ ( طبعا باستثناء ساحة الانترنت وتحرك الفاكسات وبيانات النداء الى الشعب الأبي !! ) ..

ماذا قدمتم لسورية في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها غير الفاكسات والبيانات ؟ ..

فلم أكن أكفر بالمعارضة على حد قولك !! .. وأنا اقول من قبلك : نــــــــــــــــــــعم توجد معارضة وطنية من داخل سورية، وهي ببساطة : 99.99 من الشعب السوري !! .. ولكني كنت اقصد السؤال عن مشاركتم الفعلية في الساحة السورية الواقعية وليس عبر الفاكسات أو البيانات الموجهة الى الشعب الأبي !! ..

ما تتحدث عنه يا عزيزي من عشرات المنتديات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، وتلك الساحة التي تحركت في آذار الماضي لتعلن بكل شموخ رفضها لحكم الحزب الواحد عل حد تعبيرك .. هي نتاج العمل السوري الداخلي الذي يدرك أن التغيير من الداخل يتطلب شجاعة وجرأة، ومن ثم قبلنا دفع الثمن، ودفعناه يا عزيزي ( ولست في معرض الحديث عن الثمن الذي دفعته انا شخصيا !! وما زلت ادفعه ) .. وعليك ان تعرف حقيقة بسيطة وهي أن المواطن السوري الذي يعيش في قلب سورية هو من يدفع فاتورة المعارضة ومواجهة بطش النظام ، وليس من يستأسد في أوروبا أو امريكا !! .. وهو من يعاني من تبعات تقرير ميلس والدعوات الى محاسبة سورية، وليس من يقيم في دول الغرب قرير العين هانيها ( اللهم لا حسد !! ) ..

يا عزيزي لا أحد يجادل في أهمية التغيير، ولا احد يجال في فساد النظام !! .. ولكن بعدك عن الوطن ( الذي نتفهم تماما اسبابه ) جعلك لا ترى سورية الا بعين واحدة !! ولا تدرك حجم التغيير الذي بدأ وحصل .. نتيجة تراكم عوامل كثيرة ( بعضها ظروف دولية، وبعضها صيرورة سياسية ، وأهمها نضج الوعي الشعبي وادراكه لأهمية مطالبته بحقوقه ، والصراخ من اجلها ) .. وكنت قد نصحتك أن تقرأ مداخلة العزيز EBLA في هذا الشريط، فهي تعبير عن معايشة مواطن سوري من الداخل .. يلامس حياة المواطن السوري من الداخل، ويعرف واقع المواطن السوري من الداخل .. ويدرك تغيرات المجتمع السوري من الداخل ( سيما أني قد لاحظت بالفعل من من تابعة كتاباتك بعدك الكامل عن الواقع السوري ! وثباتك عند لحظة الثمانينات !!! ) وليتك تزور موقع سيريا نيوز وتقرأ بعين المتأمل المواضيع التي تُنشر هناك، وتعليقات القراء وما تحمله من صراحة غير معهودة ( وجلهم يكتب من قلب سورية .. في موقع سوري ، بل ان بعضهم يكتب في الدفاع عن الاخوان المسلمين صراحة ! وباسمه الحقيقي !! ) .. هذا مع ادراكنا بأن ما تحقق أقل مما نصبو اليه .. ولكننا لا نملك سوى العمل بصبر وهدوء .. والتفاؤل بما هو آت ..

يا عزيزي .. لا أحد يجادل في وطنية الاخوان المسلمين ( ولا أدري ما الذي جعلك تشعر بالحساسية من نقدي !! ) كما لا احد يجادل في فساد هذا النظام وانتهاكه لحقوق الانسان السوري، ولكن في ذات الوقت علينا أولا أن نستذكر تجربة الثمانينات والفاتورة التي دفعها الشعب ، وعلينا ثانيا أن ندرك آليات التغيير ومنطلقات الاصلاح التي تتطلب أولا وأخيرا وعي شعبي لابسط مفاهيم الحقوق المدنية، وتمثل لقيم التعددية والمشاركة ، وعلينا ثالثا ان نحسن قراءة الواقع وما يحويه من تغيرات افرزها تراكم العمل الجماعي الداخلي ، وعلينا رابعا أن نستوعب تجربة التدخل الامريكي في العراق التي لم تجرّ الا الخراب ..

في منطق القانون هناك دائما مبدأ تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وفي منطق الشرع هناك فقه الموازنات الذي يقدم دفع الضرر الاكبر على دفع الضرر الادنى، ويقدم درء المفاسد على جلب المصالح .. وفي المنطق الوطني هناك مبدأ : مصلحة الوطن قبل كل مصلحة !! ..

ادرك تماما أن من عانى ظلم القهر البعثي يصعب عليه النسيان ( ونحن يا عزيزي نذوق أضعاف ما تذوقونه انتم ) ولكننا ربما لأننا اشد التصاقا بارض الوطن ندرك ان حماية الارض مقدمة على الخلاف السياسي، فاذا كانت مواجهة البطش الداخلي دفعت القوى السورية ذات يوم الى تناسي الخلافات السياسية بينها لموجهة التحدي الداخلي، فالسؤال اليوم : الا يدعونا خطر التحدي الخارجي الى تناسي خلافات الماضي والوقوف مع سورية ؟ ..

صدقني يا عزيزي .. كم اشعر بالتقزز وانا اجد ابناء بلدي ممن يقاسموني همومي وآلامي ، وهم يشتمون بما نعترض له من ضغوط وقهر وتهديدات لن يدفع ثمنا الا نحن : المقيمون على الارض السورية ..

هل تعقد يا عزيزي أن التطبيل والتزمير لميلس وتحقيقه ( وصفه بعض المعارضة السورية بأنه صديق السوريين !! ) ، والتأكيد على مسؤولية سورية في اغتيال الحريري .. هل تعتقد أنكم بهذا كله تخدمون سورية حقا وتصنعون مستقبل سورية ؟؟

كم كنت أتمنى لو تمتلك معارضة الخارج القدرة على تجاوز القواقع الصلبة التي حبست نفسها فيها، والتفكير بأبعد من الاصبع الشاخص أمام عينها .. علها تدرك أن التصفيق لجوقة ميلس وادانة سورية لن يعني سوى تدمير سورية، وادخال الوطن في دوامة الخاسر الأول والأخير فيها هو : نحن .. السوريون الذين يعيشون في قلب المعاناة .. ورحم الله من قال : يلي بياكل العصي مو متل يلي بيعدها !! ..

أخيرا : غرفة البال توك التي كنت اعنيها في كلامي سابقا هي ذات الغرفة التي اشرت اليها يا عزيزي (غرفة سورية للعدالة والحرية ) ومن تسميهم بـ ( المهرجين) لم يكونوا سوى : ساجد والادلبي !!! وبعض المشرفين الآخرين .. ( اعتقد ان الغرفة قد اغلقت مؤخرا ! ) ..

مع التحية .. لكل سوري مخلص ..

شهاب الدمشقي .. المغترب في وطنه ..