لم نكد ننتهي من مقابلة عبد الحليم خدام، حتى شاهدنا جلسة مجلس الشعب السوري على الهواء في قناة «العربية» حيث تتابع النواب في حفلة شتيمة من الوزن الثقيل لنائب الرئيس السوري لأربعين سنة.




النواب وصفوا خدام بأوصاف كثيرة لن نذكر بعضها حفاظا على خدش حياء القراء، لكن خدام في تلك الجلسة كان «حراميا، وعاهرا، وبعيرا، أجرب، خائنا، وخدام للأعداء».


خدام حسب معلومات أعضاء مجلس الشعب من أعمدة الفساد في سوريا، فهو وابنه متورطان في قضية تهريب النفايات النووية في القضية الشهيرة التي أطلق عليها «فضيحة طالبو»، وابنه كان يهرب الدولارات وتوسط لدى الرئيس الراحل حافظ الأسد لإطلاق سراحه، وأنه يمتلك خمسمائة سيارة.


هناك سؤال منطقي طرحه بعض أعضاء مجلس الشعب السوري فهم يقولون لماذا سكت عبد الحليم خدام عن الفساد طيلة هذه السنوات؟ فهو يقول في مقابلته ان البلد فاسد، وإن احدهم اختلس ثلاثة مليارات دولار، وإن السوريين يأكلون من القمامة، وإن هناك أجهزة قمع مسيطرة على البلد، فأين كان عبد الحليم خدام طيلة الأربعين سنة؟ ولماذا لم يتحرك ضد الفساد؟


سؤال النواب السوريين منطقي، ولكن هناك سؤالا منطقيا آخر، ما دام هؤلاء النواب يعرفون كل هذه الفضائح عن عبد الحليم خدام الى درجة اتهامه بتهريب النفايات النووية، فأين كان أعضاء مجلس الشعب من هذه الممارسات طيلة الأربعين سنة الماضية؟ لماذا لم يتحركوا وهم يُفترض ان يكونوا منتخبين من الشعب ومهمتهم التشريع والرقابة على الدولة؟ وإذا كان هذا ما فعله خدام فما الذي فعله بقية المتنفذين في السلطة من الحرس القديم وأبنائهم، والذين ما زالوا في موقع المسؤولية.


واجتهد بالقول إن معظم ما قاله النواب صحيح، وأن معظم ما قاله خدام صحيح عن الفساد والمفسدين. لكن المشكلة تكمن في طبيعة الأنظمة الشمولية، حيث لا يتجرأ أحد على الكلام، وإذا فعلها فسينتهي في السجن، والمشكلة تكمن في أن المؤسسة البرلمانية شكلية، وأن هناك برلمانا بلا أسنان ولا مخالب ولا يستطيع مواجهة الفساد. والمشكلة ان هناك احتكارا للصحافة وغيابا للحرية. وفي أجواء كهذه، يرى الناس الفساد فيسكتون ويبدأ المفسدون الكبار في غض النظر عن «الفساد الصغير» والرشوة وشراء الذمم وسرقة الكهرباء، ووقود الدبابات والمصفحات في الجيش، فيسكت السارق عن السارق في ظل غياب المحاسبة والشفافية.


حديث خدام لا يمكن أن يشاهده الإنسان المنصف للحكم على الأمور، بل لابد أن يشاهد معه جلسة مجلس الشعب السوري بكاملها ليكتشف أن هناك ما يصلح أن يكون برنامجا تلفزيونيا عنوانه «بالوعة وانفتحت!!» وانه لا بد من فعل شيء كبير في دمشق لإصلاح ما يمكن إصلاحه!!

"الشرق الاوسط"