مشكلة الحديث بالتاريخ والظلم والعدل والأيدولوجيا والمثاليات، هي أنها بالذات مؤدلجة ومثالية، وغير واقعية بحيث لا يصبح لها أي قيمة عملية من الناحيتين السياسية والتاريخية/الحضارية.
نتجاهل أن هناك حراك تاريخي سياسي يؤسس للدول، ففلسطين أصلاً ليست دولة، والتشتيت ليس بمفهومه المطلق مشكلة، بدون النظر لما يعنيه سياسياً (فلا أعتقد أن إسرائيل تهتم بوجود العربي الإسرائيلي إلا حين يعبر عن مشكلة انتماء أو كثافة ديموغرافية تهدد أيدولوجيتها الصهيونية).
لذلك سنبقى بنقاش عقيم حول حق هذا وحق ذاك، وهو عقيم لأن لا حل سياسي له أصلاً يمكن القول به واعتماده.
العودة للتاريخ (كنعان ومدري مين كمان) لا أهمية له أمام أوراق الوقائع السياسية. يستطيع اليهودي الروسي أو الفرنسي مثلاً أن يقدم طلباً بـ"العودة" فيقبل منه، بينما لا يُقبل من خالد. ذلك أن الأساس هو الثقل السياسي لهذا الطرف أو ذاك. ما عداه هباء.
برأيي، فما دامت عقلية الدولة الإسرائيلية صهيونية فهي بالذات غير قابلة للتجانس والتواجد في المنطقة كدولة، وهي غير مقبولة. وتصبح ممكنة الوجود حين تقبل بالواقعية السياسية (كدولة تشكلت بغض النظر عن العدل التاريخي المزعوم، في منطقة ما لظروف تاريخية معينة)، وعندما تتأسس على احترام الآخرين في المنطقة، حقهم بالوجود باحترام حق وجود الدولة الفلسطينية وبذلك الاعتراف بوجود شعب على أرض فلسطين قبل قدومهم، فبذلك سيمكن تقبلهم بالمنطقة.
بالنسبة لطرفنا العربي، فإننا نتوهم كثيراً، فتاريخياً نحن كغيرنا تشكلنا كحضارات كمجموعات وكدول عن طريق الصدف والظروف التاريخية، لا أقل ولا أكثر بغض النظر عن العدل التاريخي. فالحروب المتواصلة في منطقتنا تجعلنا نتردد قبل أن نتحدث عن الأصول التاريخية أو الاجتماعية القحة. خصوصاً في منطقتنا التي مرت بالكثير من التطورات والحروب والمعمعات.
رأيي هو ما كان سينتج يوماً ما عن اجتماع "طابا" (عرفات/باراك):
تأسيس دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية، حل المستوطنات، السماح بعودة قسم مهم من اللاجئين لدولة إسرائيل (الأقرب في الاستبعاد) بحيث لا يؤثر على الديمغرافية اليهودية، توطين جزء آخر في كندا وبعض الدول الصديقة لفلسطين، وتعويض بقية اللاجئين.
وأضيف أنه على المدى المتوسط والبعيد على إسرائيل إعادة حساباتها تماماً، والابتعاد عن الأدلجة الصهيونية! فهل تفعل؟
من الناحية العربية فهذا حل أعتبره سياسياً ممتاز، وكل حل بينهما هو شيء يؤخذ للوصول لأفضل منه.
كما أني أرفض من ناحيتي فصل التطبيع مع إسرائيل بأي دولة عربية عن الوصول لحل مع الفلسطينيين. وذلك من أساس أخلاقي وانتماء لأمة، فتطبيع الأردن وتطبيع المغرب وغيرها هو خيانة لحضارة الأمة (بغض النظر عن مفاهيم الوحدة السياسية أتحدث عن المفاهيم الثقافية) وهي خيانة برأيي لشعب ينتمي إلينا وننتمي إليه. وهي خيانة أصلاً للإنسانية، كما كان مثلاً من غير الممكن إنسانياً تطبيع أي علاقات مع حكم بريتوريا العنصري في جنوب إفريقيا قبل حل المشكلة.

مع فائق التحيات.
طارق.