{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
محاورات مورفيوس
محارب النور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 5,508
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #2
محاورات مورفيوس
(2-3)

هناك أغنية شهيرة للمغنّي الإنجليزي جون لينون إسمها "مُراقباً الدولاب Watching The Wheels"، يقول فيها:
يقولُ الناسُ إنّي كسولٌ، أهدرُ بالأحلام حياتي
يقدّمون لي كلّ نصيحةٍ، خصوصاً لإرشادي
وحين أقولُ "إنّي بخير، أراقبُ الظلالَ على الجدار"
يقولون: أفلتَ منك الزمنُ يا غلام، فلم تعدْ هنا على الأرض.
فعن أيّ جدار يتحدث جون لينون، والى أيّة ظلال يشير!؟

ما وراء الظلال: رحلة إلى كهف أفلاطون
في الفصل السابع من كتاب "الجمهورية" يحاول أفلاطون أن يشرح لمحاوره مقولةً لسقراط تهدف إلى تبيان ما للتهذيب الحقيقيّ من خطورة وأهمية في تنشئة الجيل. إنه يتصوّر طائفة من الناس مكبّلين بالسلاسل منذ ولادتهم ويقيمون في كهف، ظهورهم مقابلة لمدخلهِ ووراءهم نار مشتعلة ذات لهب. بين النار والناس هنالك طريق يمرّ عليه الناس، وأمام هؤلاء الناس جدار يصل إلى مستوى رؤوسهم فيخفيها، إلاّ أنه يسمح فقط برؤية ما يحملونه فوقها من أشياء، فتلقي تلك الأشياءُ، بسبب اللهب، ظلالَها على جدران الكهوف أمام أعين السجناء، فتتراءى تلك الظلال لهم على أنها هي اليقينيات الوحيدة.
ثم يفترض أفلاطون أنّ أحد السجناء قد حلّ أغلاله وخرج إلى ضوء النهار فألِفَ، بالتدريج، رؤيةَ ما حوله فتسنّى له إدراك حقيقتها. يقول أفلاطون أنّ نسبة هذا الرجل إلى السجناء السفليين كنسبة الفيلسوف إلى العامة المهذّبين تهذيباً ناقصاً. فإذا ما عاد إلى الكهف واستأنف مركزه وعمله السابق فإنه سيكون أول الأمر عرضةً لهزء رفاقه فيما لو حاول تبيان "حقيقة" تلك الظلال لهم، بالضبط كما أن الفيلسوف الحقيقي هو موضوع لهزء الناس وسخريتهم، لأنّ معرفته ـ حسب أفلاطون ـ ستكون فائقةً على معرفة رفقائه باعتبار الظلال والحقائق التي وراءها.

غمائم على عينيّ الحصان :
يسمّي البروفسور علي الورديّ هذه الحالة:"التنويم الاجتماعي"، والمعارف المحدودة التي يتلقاها الناس تلقيناً منذ الصغر:"الإطار الفكريّ". والإطار الفكري الذي يقصده الورديّ هو الإطار الذي اعتاد الإنسان أن ينظر إلى الكون من خلاله، وهو إطار يحدد مجال نظره ويقولب تأويلاته ويحكم تفسيراته وفهمه للأشياء، ويشبّهه هنا بالإطار الجلديّ الذي يوضع على جانبي عينيّ الحصان "الغمامتان"، لكي يتوجّه ببصره إلى أمام بشكل دائم، فلا يرتبك أو يتطوّح في سيره.
يقول علي الورديّ في كتابه "خوارق اللاشعور": إنّ الإطار الفكريّ الذي ينظر الإنسان من خلاله إلى الكون، مؤلَّفٌ جزؤه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع إليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن. فالإنسان متأثّر بها من حيث لا يشعر. فهو حين ينظر إلى ما حوله لا يدرك أنّ نظرته مقيدة ومحدودة. وكلّ يقينه أنه حرّ في تفكيره!
ويحدد لنا الورديّ ثلاثة أنواع من القيود التي يرسف فيها عقل الإنسان، وهي هنا تشاكل القيود التي يرسف فيها السجناء الذين تحدثتْ عنهم أمثولة الكهف في كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، وهي حسب تصنيف الورديّ:
القيود النفسية: وهي مجموعة معقّدة من الرغبات المكبوتة والعواطف المشبوبة والاتجاهات الدفينة في داخل كل إنسان.
القيود الاجتماعية: وهي علاقات التعصب الوطني، الطبقي أو الطائفيّ للجماعة التي ينتمي إليها الإنسان.
القيود الحضارية: وهي القيم الثقافية والأهداف الاجتماعية التي يتربّى عليها الإنسان منذ الصغر وينشأ في أحضانها، والتي تتغلغل عميقاً في لا شعوره حتى تصبح جزءاً لا يتجزّأ من منطقهِ وأسلوب تفكيره.
إذنْ، فالإنسان الذي يولد حرّاً في "كهف الماتريكس" فإنما يولد والقيود مهيّأة له منذ الولادة لتكبيل عقله في سجن فكريّ لن يستطيع الخروج منه إلاّ بمقاومة ذاتية رهيبة لتلك القيود التي تكبّله وتشلّ حركة مقاومته تجاه كل ما هو مختلف ولا يتفق مع "حقيقة" الجماعة التي ولد في كهفها، لذا فمن النادر أن نرى إنسلاخات فكرية لأفراد ينتمون إلى مجموعة بشرية معينة تعتنق ديناً أو مذهباً بعينه والانضمام لجماعة أخرى لا تشاكل منظومتها الفكرية والاجتماعية تلك التي نشأ عليها، كتحوّل السيخيّ إلى مُسلم، أو المسلم إلى بوذيّ مثلاً. فكل فرد من هؤلاء يعتقد أنه وحده الذي يستأثر بحقيقة الوجود التي تمثلها طائفته ويحملها دينه، ومن الممكن أن يستميت من أجل فكرها أو يبيد المخالفين لها، ويشكل التأريخ بمجمله وثائق حيّة تدعم هذا الأمر، ومن يقرأ تاريخ الإبادات الجماعية يستنتج أنها تأريخ لصراع الأفكار والقيم بين كهفين مختلفين لا أكثر، فلكل أمريء من دهره ما تعوّدا، وكلّ حزبٍ بما لديهم فرحون.
إذنْ فإنّ "الثقافةَ" إنما هي محضُ وهمٍ، و"العقل" هو عادة فكرية لا أكثر، فالإنسان الذي يتربّى في أحضان جماعة معينة وينشأ بين ظهرانيهم يخضع لما يسميه الورديّ بـ "التنويم الاجتماعي"، فالقيم والأفكار والسلوكيات التي يتطبّع بها إنما هي القيم والأفكار والسلوكيات السائدة لتلك الجماعة، والتي يزعم الإنسان، حين يدافع عنها، أنها هي الحقيقة العليا التي توصّل إليها بعقله وأن كل الأدلّة العقلية والنقلية تؤيد ذلك "الوهم الجماعيّ" الذي يؤمن به. ولذلك فأن حركة تفكير الإنسان هنا تخضع للجاذبية الأرضية، وقد ندر وجود مَن أفلت من منطقة الجذب أو الشدّ الفكري هذه وانطلق محلقاً في فلك الأفكار الكونيّ، خارقاً منطقة الجذب تلك، بعيداً عن جماعته التي ترسف في تلك الأغلال، أغلال الوهم التي كبّلها بها أسلافها، والتي سيكبلون بها أبناءهم بعد ذلك، وهكذا دواليك. وفي حديث نبويّ يقول "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه"، أي أنّ الإنسان يولد كصفحةٍ بيضاء يتولى الكتابة عليها أهله ومجتمعه فيجعلونه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً. لذلك لا يستغربنّ أحد أن ينكر الإنسانُ المفاهيمَ والأفكارَ التي تعارض ما نشأ عليها عقلُه الباطن، بل المستغرب أن ينكر ما هو وأهله عليه، فمن الأقوال التي كان يرددها الإمام الغزالي في كتبه "أنّ الإنسان يستغرب ما لم يعهده، حتى لو حدّثه أحَدٌ أنه لو حكّ خشبة بخشبة ليُخرجَ منها شيئاً أحمر، بمقدار عدسةٍ، يأكل هذه البلدة وأهلها، ولم يكن رأى النار قطّ، لاستغربَ ذلك وأنكره"، فدعونا الآن ننهض مع السيد توماس أندرسن "نيو" من غفوته على طاولة الكومبيوتر...

مع "نيو" في جحر الأرنب :
"إنهض يا نيو فالماتركس إمتلكك!". في لحظات البرزخ الذي تتلاشى فيه الحدود بين الحلم والحقيقة، لحظات التحرر من قيد العقل والإطار الفكريّ، يجيؤه هذا النداء من الماوراء، نداء يصيبه بالرجفة ويجعله يغيّر كل حياته ويصعقه، تماماً كما صعق النبي محمد حين جاءه نداء الوحيّ في غار حراء وجعله مذهولاً يرتجف طوال يومه ليغير حياته وحياة قومه كلها فيما بعد. فـ"نيو" الغافي على طاولته أمام كومبيوتره الذي تركه في حالة "بحث Searching" ونام مربوط العقل به عبر أسلاك جهاز الإنصات يصحو فجأة مذعوراً على صوت هذا الهتاف الذي أتاه من وراء عالم الماتركس كأنه إشارة استغاثة من بعيد.. وحين يتساءل عن كنه هذا النداء يجيبه الهتاف ثانيةً: "إتبعْ الأرنب الأبيض!"، إنه صدى للنداء الذي تلقّاه ملوك المجوس من اللاوراء لتتبع النجم الذي سيدلّهم إلى الحظيرة التي ولد فيها المسيح، حيث بداية تأريخ وعهد جديد.
إنّ الإشارات التي أعطيت لنيو تضمّنت إجابة قبل سؤال، وهي تقوم هنا مقام الإشارات النبوئيّة للمخلّصين، إنّها ذات الإشارات التي وصلت إلى بوذا العظيم وموسى وعيسى للخروج من الدائرة الماتركسية لمجتمعاتهم المقنّنة، لذلك فإن بشارة المسيح كانت بشارة هدمٍ تدمير "جئتُ لأنقض لا لكي أبني"، وهذا النداء نفسه سيردّده نبيّ نيتشة الزرادشتيّ فيما بعد. ولا يقطع هذا الحوار المفزع بين "نيو" وما وراء الغيب إلاّ صوت طارقٍ على الباب... فنيو، كما يتكشّف لنا هنا، إسم مستعار لقرصان ألكتروني Haker، ينتحله السيد توماس أندرسن، الموظف المدنيّ في شركة للبرمجيات، يمارس من خلاله هوايته المفضّلة: إختراق النظام والإستحواذ على الملفات الرسمية ومن ثم بيعها لمن يرغب من الزبائن والفضوليين.
ـ "هل شعرت يوماً أنك تجهل إنْ كنتَ مستيقظاً أم حالماً؟"، يساءل "نيو" أحد زبائنه كما يساءل المرء نفسه، أو كمن لا ينتظر جواباً، فيجيبه الزبون كأنّه يتحدّث في حلم "طوال الوقت، يسمونه مخدّر مسكلين mescaline". إنهم ضحايا العالم الماتركسي، حيث يختلط الشيء باللاشيء، والواقع بالوهم، والحياة بالعدم، والصورة بمجازها. وقبل أن يرحل الزوّار يدعونه للخروج إلى المرح مثلهم، وهنا تظهر العلامة: أرنب أبيض موشوم على الكتف اليسار لإحدى الفتيات اللواتي بصحبة ذلك الزبون (اليسار أيضاً لتوكيد هويّة المجموعة المتمرّدة على النظام)، هذا الأرنب ستتكرّر الإشارة إليه فيما بعد، لذا فإنّي أرى من الضروري أن نعرف، باختصار، شيئاً عن حكايته قبل أن نلج في ثنايا المحاورة الأولى لمورفيوس.

يذكر مدوّنو سيرة كارول أنه كان منطقيّاً صارماً جداً في حياته، يبتكر دائماً أكثر الطرق فاعلية لإتمام مهمته. وبسبب صعوبات النوم لديه (مثل نيو) فقد إخترع ما يُعرف بالنيكتوغراف Nyctograph، وهي أداة لأخذ الملاحظات في السرير أثناء الليل أو تحت تأثير تبدلات الذهن، مستنبطاً طريقةً فذّة لدعم الذاكرة وتنظيف رأسه من الأفكار التي تراوده أثناء محاولته النوم. كتب رسالة إلى عالم الإحصاء الانجليزي، أو "أبو الإحصاء" كما يُدعى، تشارلز باباج Charles Babbage، مقدماً له نصائح ثمينة تتمحور حول كيفية تطوير آلته الحاسبة. طوّر كارول كذلك الناسخة الهلامية Hectograph، وآلة الطباعة اليدوية التي تعرف بطابعة هاموند Hammond Type-Writer، إضافة إلى أداة تصوير الوثائق البدائية المعروفة بإسم قلم أديسون الكهربائي Edison's electric pen.
أما على صعيد الاكتشافات الظريفة فقد ابتكر كارول قاعدة لإيجاد اليوم من كل أسبوع في أيّ تاريخ وقوانين للفوز في المراهنات وقواعد لتنظيم التحكيم في دورات التنس. كما أبتكر مقياساً لقياس نسبة المشروب الكحوليّ Liquor. وبسبب ولعه الشديد بلعب الشطرنج إخترع رقعة شطرنج خاصة للسفر، كما برع كذلك في إنشاء الألعاب التي تعتمد على المنطق والكلمات المترادفة ومزدوجة المعنى، وهذه البراعة تتجلى كثيراً في أعماله التي كتبها إلى أليس مثل "مغامرات أليس1865 " و "عبر المرآة1871 " التي كانت بطلتها أليس أيضاً، وقد مارسها حتى على شخصه، فحين أصدر شارلز لوتويدج دودجسن Charles Lutwidge Dodgson حكايته الشهيرة عن مغامرات أليس لم يمهرها باسمه الحقيقيّ، بل قام بلعبة لغوية، أشبه ما تكون بالخدع السحرية التي كان يقوم بها في طفولته، لتغيير اسمه وإبقائه كما هو في نفس الوقت، إنه مزيف وحقيقيّ أيضاً (هنا تجسيد للتشبيه والمحاكاة طبقاً لبودريارد ـ راجع المقال الأول)، إذ قام بترجمة اسميه الأولين Charles Lutwidge إلى اللغة اللاتينية ليصبح اسمه "Carolus Lodovicus"، ثم قام بأنْجَلزَتِه (أي جعله إنجليزياً صرفاً) وقلبه، ليتحوّل إلى لويس كارول "Lewis Carroll". هذه الألعاب اللغوية واحدة من براعات كارول التي يُشهد له بها في لغته الأمّ، فغالباً ما كان يقوم بتوليفات لغوية جديدة من خلال دمج كلمتين مع بعضهما للخروج بكلمة جيدة تحمل معنى مزدوجاً في الانجليزية. هذه البراعة متأتية له طبعاً من خلال ذهنيته كعالم بالمنطق وأستاذ للرياضيات وعلينا أخذها بالحسبان حينما نمرّ فيما بعد على أسماء الشخوص الذين سنصادفهم في عالم الماتركس، فغالباً ما تحمل أسماء الشخوص عند كارول وفي فلم الماتركس معاني مزدوجة، فهي ليست مسمّيات عابرة لتحديد هويّة أشخاص أو كائنات افتراضية فقط بل إحالات ثقافية غالباً ما تحمل أبعاداً دينية أو سياسية تقتضي استدعائها إذا أردنا فهم النصّ الماتركسيّ. إنها الصورة والمعنى، الرنين والدلالة، والنسخة والمحاكاة في الوقت ذاته.


محارب النور
أبدي
02-07-2006, 10:45 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
محاورات مورفيوس - بواسطة محارب النور - 02-07-2006, 10:43 AM,
محاورات مورفيوس - بواسطة محارب النور - 02-07-2006, 10:45 AM
محاورات مورفيوس - بواسطة محارب النور - 02-07-2006, 10:46 AM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS