بقي شهرٌ، ويأتي عام 2005
حسابياً، مازلتُ أخطط لاسترجاع هويتي قبل هذا الوقت بالذات، خاصة وأنّ عامي العشرين هو أكثر أعوامي تعاسة وألماً
وأنا مازلتُ أقيّم هذا العام، محاولا استخلاص إيجابياته، لكنني لم أجد سوى أخطاء قد ارتكبتُها كان بإمكاني تلافيها، ولكنني فعلتُها فسببت لي مشكلات كبيرة جداً، وأنهكت نفسي، وأصابتني بالإحباط
يا إلهي، هذ الفصل أعجز عن إتمامه، بل أنا أتألم بمجرد التفكير في بدايته..
ربما لعدم وجود تهوية في هذا المعمل المغلق، حيثُ أكتبُ منه صوراً من حياتي، حملتُها على ظهري منذ سن الخامسة عشر...
لا بأس، مازلتُ أحتفظ ببعض النشاط .. وعندي الهمّة لأتابع هذا الفصل
(رغبة عارمة بالبكاء)
(أصابعي تتجمّد) .. وكل شيء يابس في جسمي
أجل، بدأت أكتبُ في شبكة هجر القافية، تحت إسم أبوالقاسم .. كنتُ أقرأ أكثر مما أكتب، وكانت هجر مفخرة لي، كيف لا وأنا أرى موسى العلي .. ابن مدينتي .. وهو يقيم أحد أعظم مجالس الحوار بين العرب دون مبالغة، وقد سمعتُه شخصيّاً يتحدّثُ عن الزيارات التي تأتي لتتصفح الموقع، وترصدهاإدارته بكل اهتمام، زيارات من ماليزيا وأميركا وكندا وهولندا والعالم كلّه، أيامه لم يكن العرب يتحاورون سوى باقتضاب في فضائية الجزيرة والفضائيات الأخرى
كانت منافسة لدودة للساحة العربية، وأنا بالفعل أكبر في السيد موسى العلي هذه المثابرة، حيث استحالت صفحت صمغمورة في منتدى إلى موقع بمثل عراقة شبكة هجر !!!!
ليس سراً أن إسم (الغريب) لم يكُن يشدني حين كان يكتب في الديت نت ولا الساحة ولا غيرها، بل أن معرفتي به بدأت حين كنتُ أحاول بحذر أن أتكشّف هوية ذلك الشخص الذي يصرّ على أن يكون في صف "الغرباء" ، وبكل جرأة...!!!!
مضت الأيام، ولم أصطدم به سوى مرة واحدة، وكنتُ ثقيلاً دميماً يومها، ولكنه ردّ استقباحي بأحسن منه، ورأيت منه دماثة الخلق، وروحاً خفيفة فكاهية وظريفة، وشخصية قوية و واثقة....
كنتُ أقرأ، وأتعجب مما يكتُبُه ...
هذا الفتى يعرفُ ما أحب، ويعرف ما أكره، يفهمني، أفهمه، يصل لقلبي، لعقلي، يصل للإنسان في داخلي...
كنتُ أرى ما يفعله، فأعرف أنني بخير، فلستُ وحدي من يفعل ذلك، بل أن ما أفعله لم يكن إلا لأن هناك ما يعطيني الحق لأفعله .. كنتُ أرى في ذلك مثالية صادقة .. وكنتُ أعوّل الكثير على ذلك الصديق، وهو كان يهرب مني كثيراً، فأنا كنتُ بالفعل أحمّله أثقل مما يحتمل .. إذ توقّعتُ منه مثالية ، لكنه فشل في الوصول إلى ما هو أقل منها حتّى، وهذا مجرد رأي بالطبع
المثالية، أعني بها ذلك الإتساق مع النفس، ذلك التشدق بالمبادئ ..
أن تنطق بعقلك، قبل قلبك..
أن تكون موضوعياً في حديثك
أن لا تنطق بكلمة إلا وأنت معترف بمسؤوليتك عنها، وأن حديثك عنها بشكل واثق، يعني أنك اختبرتَها، وتناقشتَ بها، وهذا يعني، بالنهاية، أنك لن تنزعج لو احتاج إليكَ شخص ما .. وأنك مستعدٌ لإثبات كلمتك له ولو كلّفك ذلك مالك وجهدك .. وهذا كله طبعاً لتُنقذه..
هذا بالطبع سخيف
وسخيفٌ جداً...
ففي عالم ماديٍّ كهذا، من يستطيع أن يستغني عن مميزاته ليخدم بها المحتاج!!
من يستطيع أن يستقطع من قوت يومه درهماً ليبعث به الأمل في نفس مسكين؟
من يستطيع أن يتوقف لدقائق، مستغنيا عن لحظات لذته، وجلسات سمره .. ليسهر على رعاية عجوز قتلته نفوس مريضة لأبناء عاقّين؟؟
كانت معرفتي لدواخل نفس صديقي للغريب، عن طريق صديقته الرائعة
كنت في تلك الأيام أبكي على كتفها، فتمسح على رأسي .. وأنا تائه .. لا أجد طريقي .. كانت تتعجب من سر تلك الكآبة المملة .. وكنتُ أمارس تفاهتي عليها، وأمارس ثرثرتي المملة عليها أيضاً، ومع ذلك لم تقابل كل ذلك الملل سوى ببسمة ونصيحة ونظرة لطيفة تعضّدني في محنتي..
كانت هي طريقي إلى نفس ذلك الغريب، كانت الجسر المفضي إلى حقيقته، وإلى هويته الحقيقية .. أنا أؤكد .. الغريب ، هو نفسه الغريب .. في عالم السايبر .. تماماً!!!
كنتُ أتابع ذلك الفتى وهو يكتب بجرأة كل ما يعلق في ذهنه، كان يجلجل، وويرمي بسهام ثاقبة كل من حوله ممن يتاجرون برضا الحاكم
كنتُ أشاهد مالك الحزين وهو يقتل نفسه مهاجماً مشارك وحسن حسان وابو هاجر، ويفعل مثله العلماني، بينما كان الغريب يرمي نكتته، أو دعابته، فيتركها، فتأتي بمفعولها بشكل عظيم
كان لا يردّ على إساءة شخصية له، رغم تحذيره الشديد للآخرين من التعرّض لشخصه، لكنه كان أكثر قسوة على من يفكر أن يصادر عليه رأياً، أو يحاول ثنيه عن التعبير عن رأيه...
كان يشغلهم
كان يضحكهم، ويسهرهم، ويحزنهم، ويضحكهم في آن،
وكنتُ أعود مساء إلى الفراش وأنا أتأمل في هذا الذي يحيط بعالمي .. هذا الذي يشبهني...
بقيتُ فرحاً بما يكتب، لكنني كنتُ أعارضه، لا عن قناعة، وإنما بسبب ما حكيتُه عن الإزدواجية وعن الوقوف بموقف الضدّ
كان منافسي في كل شيء، حتى في حبي للعنقاء..
وهي، الأخرى، أسطورة أخرى...
لم يقدّر لي أبداً في أربعة أعوام أن أضع صديقي الغريب في المحكّ، ولم تكن هناك فرصة لأرى مواقفه جيداً، لكنني وحين أقف على موقفه الآن، عرفتُ أن طريقي مختلفٌ تماماً، بعيداً عنه، وعن صنمه الذي تكسّر في نفسي...
ماذا يربط بيني وبينه؟
لا أدري
لكنها قصة قصيرة جداً، يرويها ذرعاني في هذا الموضوع
http://69.57.138.175/forum/showthread.php?...?t=24578&page=2
كنتُ في السابعة عشر يومها، كانت هذه بداية الثورة ..وبداية الطريق إلى المجهول
كتبتُ كل كلمة عن قناعة، وتحدثتُ بكل صدق، ولكنه كان كلام مراهق على أي حال
مراهق ثائر على كل شيء، يبحث عن الدفع الذاتي، وعن التميّز والتفرّد ..
العلماني كان يصف ذلك "بالطفرة" .. صديقي الغريب كان أكثر واقعية، فقد كان يخشى أن تكون تلك مجرّد ثورة ستخمد...
ولكن هذا غير صحيح، أنا مازلتُ أضع أولويات في حياتي، أنا مستعدٌ أن أحارب الدين والكون كله لو أنه تعارض معها...
تبقى نقطةٌ أخيرة في هذا الفصل..
يلمحُ الكثير من الأصدقاء المقربين، والأشخاص القريبين مني، وعلى رأسهم أبي، أنني متأثّرٌ بصديقي الغريب هذا، ولا بأس..
صحيح أن تعابيره وإسلوبه ينسابان إلى ذهني، كدروس يتلقاها تلميذٌ نجيبٌ عن مدرسٍ يحِبّهُ
ولكن الحق، أن كلانا يعيش في بيئة متناقضة، وكلانا نتيجة لعالمين يجتمعان في نبذ الآخر المختلف، وإن اختلفت الأسباب، أو اختلفت الأساليب...
يتبع...