تحياتي للجميع

بالنسبة لي ، أريد أن أسأل من يؤمنون بأن الله خلق الكائنات الحية ، و منها الإنسان ، فأقول كيف خلق الإنسان ؟؟؟؟

الجواب التقليدي أنه خلقه من التراب ، و نفخ فيه من روحه .

حسنٌ

كيف خلق النبات ؟؟

ربما خلقها من العدم و جعلها على النحو الذي نراه .

لا بأس

كيف خلق الجبال ؟؟؟

الدينيون يعتقدون أن الله أنشأ الجبال هكذا من العدم ، و جواب القرآن واضح في هذا الشأن خلال شرحه لخلق السماوات و الأرض حيث قال :

"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ
" فصلت 10

ربما توصل العلم لبعض النظريات التي تشرح تكون الجبال ، كانزلاق طبقات الأرض على بعضها من جهة ، أو تكون الجبال البركانية ، أو ترسّب الطبقات التي تكون الجبال الرسوبية ، إلخ ... .

ما أريد قوله الآن هو التالي :

نحن نعرف أن الكون وُجِد قبل الإنسان ، و أن الأرض بجبالها و مياهها وجدت قبل الإنسان ، و الذي وُجِد قبله حيوانات منقرضة ، منها الزواحف و منها ما يشبه الإنسان أو القرود ، ثم ظهر الإنسان ، السؤال الآن :

إن كان ظهور الإنسان نتيجة لـ (كن فيكون) ، و ظهور تلك الحيوانات المنقرضة من قبل لـ (كن فيكون) ، و كذلك ظهور الجبال عن طريق (كن فيكون) ، فلماذا توقف الله عن ممارسته لهذا النوع من الخلق ؟؟؟؟؟؟؟؟

فمنذ التاريخ المكتوب و قبله و بعده لم نجد أي شيء وُجِد هكذا بعد أن لم يكن ، لا مخلوق و لا جماد و لا نبات ، فالسببية هي سنّة هذا الوجود ، و جميع الأمثلة التي يضربها لنا القعقاع ترتكز على السببية .

فالكمبيوتر الذي يحتوي كل هذا التعقيد ، لم يوجده الإنسان هكذا من العدم ، بل مر بسلسلة من السببية غارقة في القِدم ، فحتى نصل إلى كمبيوتر محمول ، كان يجب أن نخترع كمبيوتر غير محمول ، و حتى نخترع الأخير كنا بحاجة لكمبيوتر بحجم الغرفة ، و حتى نخترع الأخير كنا بحاجة لاختراع الدوائر الكهربائية ، و حتى نخترع الأخيرة كنا بحاجة لموصلات كهربائية ، و حتى نخترع الأخيرة كنا بحاجة لاختراع الكهرباء ، و حتى نخترع الأخيرة كنا بحاجة لاكتشاف الكهرباء الساكنة ، و حتى نكتشف الأخيرة كنا بحاجة إلى أبحاث تتعلق بهذه المسألة ، و حتى نجد أبحاث كنا بحاجة إلى العلم و العلماء ، و حتى نحصل على هؤلاء العلماء كنا بحاجة إلى تاريخ عريق من الأبحاث في كل شيء و أي شيء ، و قبل هذا كنا بحاجة لاختراع الكتابة لتثبيت تلك المكتشفات ، و قبل الكتابة كنا بحاجة لاختراع اللغة ، و إلى آخره من سلسلة السببيات ، و التي لا تكون في الواقع على هذا الشكل الخطي ، بل هي سببيات متداخلة ، فبحث في الموسيقى قد يؤدي إلى اختراع طبي ، و بحث فيزيائي قد يؤدي إلى اختراع زراعي و إلخ ...

ما أردت قوله من هذا المثال ، أن الكون يسير على سلسلة من السببيات ، فما نراه من الكون الآن ، و ما نراه على الأرض التي نعيشها ، هو نتاج لسلسة من السببيات المتلاحقة و التي تغرق في القدم بحيث تفقد الحلقات وضوحها و تصبح السببيات أكثر غموضاً .

الله لو كان موجوداً فهذا ما يقوله لنا ، يقول أن الكون الموجود مبنيٌ على سلسلة من السببيات ، و التي هي في الواقع سلسلة من القوانين ، و أنه لا يخرق هذه القوانين بأي حال من الأحوال ، فهو لا يخلق شيئاً من العدم ، هذا غير موجود أبداً .

ما الذي يفرض هذا الشقاق بين الله و بين تطور الكون من نقطة واحدة صغيرة جداً ذات كثافة عالية جداً (فرضية البيغ بانغ) ؟؟؟؟

فهذه الفرضية هي مجرد محاولة لوصف تلك السببيات الغارقة في القِدم ، فإن صحت فهي توضح كيف نشأ الكون من تلك النقطة ، و كيف نشأت بعد ذلك الذرات الأولى ، و كيف كانت تحمل في ذاتها قوانين فيزيائية أدت إلى ارتباط هذا بذاك و انفصال هذا عن ذاك ، و أدى ذلك تكون الكواكب ، و أدى ذلك إلى وجود كتلة لكل كوكب مما أدى إلى ظهور الجاذبية ، و التي أدت إلى دوران الكواكب حول مراكز معينة .

كل تلك الأفكار هي محاولات لرؤية تلك الحلقات البعيدة جدا و الغامضة في تسلسل السببية التي أدت إلى جلوسنا أمام شاشات الكمبيوتر في هذه اللحظة و إجراء هذا النقاش الهاديء كما طلب الزميل طارق صاحب الموضوع .


فإذا أخذنا بالسببية ، و التي يستخدمها الزميل القعقاع بأمثلته عن صنع جهاز كمبيوتر ، يجب أن نطبقها على صنع المادة الحية ، و الخلية الحية ، فلا بد من وجود سلسلة من الأسباب أو القوانين أو التفاعلات أدت إلى ظهور هذا ال دي أن إيه أو الخلية أو الكائن الحي برمته ، و إن كان هذا أسلوب الله في الكون فلا بد أن يلتزم به و لا يخلق شيئاً من عدم .

تماماً مثلما يرفض الزميل القعقاع ظهور كمبيوتر من العدم ، و العدم هنا هو غياب السبب الذي نعرفه (و هو الإنسان) ، فكذلك يستحيل أن تظهر الخلية الحية من العدم .

أما أن يقرر الله في الماضي أن يخلق الإنسان من العدم ، ثم يقول خلاص ، لن أخلق شيئاً بعد الآن من العدم ، فهذا كلام واضح السذاجة ، و لا أعتقد أن أحداً سينادي به .


الخلاصة من هذا الكلام :

يمكن أن يكون هناك إلهاً قد خلق بذرة الوجود ، و وضع فيها قانون التغير ، (قد يكون الانفجار العظيم) ، الذي ولّد قوانين أخرى كلها فيزيقية و لا يوجد للميتافيزيقا مكاناً بها ، أدت إلى ظهور الكواكب ثم الأرض ثم الجبال و البحار (كله ضمن تسلسل قوانين المادة) ثم المادة الحية ثم الحيوانات المنقرضة و غير المنقرضة ثم الإنسان .

و عدم معرفتنا بأحد حلقات هذه السلسلة لا يعني أن الحل هو (الله خلق الإنسان من العدم بأن جبله من طين و نفخ فيه من روحه) ، هذا تصورٌ مشوّهٌ عن الله ، إذ أن الله ملتزم بالقانون الذي وضعه في المادة ، و جعل كل حدث سبباً لآخر من جهة ، و سبباً عن آخر من جهة أخرى .


تحياتي