هي من السفير لعدد اليوم
إخلاء سبيل محمد زهير الصدّيق في فرنسا
يُحرج لبنان في قضية الضباط الموقوفين
هل بات التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أمام معطيات جديدة قد تنسف الصورة التي قامت طوال الشهور الماضية؟
مرد هذه الأسئلة التطور المفاجئ الذي طرأ على ملف التحقيق، بعدما تبين أن القضاء الفرنسي قرر إخلاء سبيل الشاهد السوري الأبرز محمد زهير الصديق بعد انقضاء وقت طويل على توقيفه ورفض فرنسا تسليمه الى لبنان. وقد فاجأت فرنسا السلطات اللبنانية بإطلاق الصديق الذي اعترف بأنّه شارك في الجريمة، بعدما حوّلت تهمته إلى مجرّد جنحة هي إعطاء إفادة كاذبة، ورفضت مراراً تسليمه للقضاء اللبناني لكي يستجوبه بداعي أنّ قانون العقوبات اللبناني ينص على الإعدام، وهو ما يتعارض مع الموقف الفرنسي المناهض لهذه العقوبة.
وفتحت هذه الخطوة الباب امام مرحلة جديدة، لا سيما ان فريق الدفاع عن الضباط الأربعة الموقوفين (جميل السيد وريمون عازار وعلي الحاج ومصطفى حمدان) قرر المباشرة بحملة قضائية وسياسية وقانونية هدفها دفع القضاء اللبناني الى البت سريعاً بمصيرهم، وخصوصاً ان توقيفهم تم بناءً على إفادة الصديق نفسه.
وقال مرجع معني ل<<السفير>> إن المعضلة التي تواجه القضاء اللبناني تأخذ بعين الاعتبار أن الرئيس السابق للجنة التحقيق ديتليف ميليس كان تحدث عن وجود أدلة مكتومة لديه وأنه يريد الاحتفاظ بها حتى موعد لاحق، وهو أوصى مرتين على الأقل بإبقاء الضباط الأربعة قيد التوقيف. ثم جاء الرئيس الجديد سيرج برامرتز الذي ابلغ فريق التحقيق اللبناني بأنه سوف يعمل على تسليمه كل ما لديه بشأن الجريمة وأي ملفات اخرى. وهو سارع مؤخراً إلى تقديم ما كان لدى اللجنة، كما أنه عمد إلى نقل مباشر لإفادة نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، والتي جرى على أساسها تجديد استجواب الضباط الأربعة مرتين خلال الأسبوعين الماضيين، الأولى من قبل النائب السابق لرئيس اللجنة الألماني غيرهارد ليمان، والثانية من قبل المحقق العدلي الياس عيد. وتبين لمصادر واسعة الاطلاع أن إفادة خدام لم تقدم أي جديد على ما ورد في إفادة الصديق، مع فارق أن خدام استخدم كثيراً عبارة <<أعتقد أنه حصل كذا وكذا>> أو أنه <<بحسب خبرتي فإن العمل يتم بهذه الصورة أو تلك>>.
وأشار المرجع انه بعدما بات كل من الصديق والشاهد الآخر هسام هسام طليقين، ولم يتم توقيف أي من المشتبه بهم الآخرين ولا سيما السوريين منهم، فإن مسألة استمرار توقيف الضباط الأربعة باتت رهن السؤال، إلا إذا تبين أن لدى القاضي اللبناني ما يبرر استمرار التوقيف، الأمر الذي سيضطره إلى الكشف عن هذه المعطيات. علماً بأن مصادر فريق الدفاع تشير إلى أن مضمون التحقيقات الأولية والأخيرة التي أجراها القاضي عيد لم تتضمن أي عناصر مخالفة لما ورد في إفادات الشهود السوريين. واعتبر المرجع أن إطلاق الصديق يخفي وراءه خشية فرنسية سياسية من أن يؤدي تسليمه إلى السلطات اللبنانية او إلى لجنة التحقيق الدولية، إلى كشف الجهات التي دفعته الى الإدلاء بأقواله الاتهامية، عدا عن أنه صار بموجب التحقيق الدولي اللبناني مشتبهاً به ومدعى عليه، وقد تجاهلت فرنسا طلبات لبنانية ومن لجنة التحقيق الدولية لتسليمه، علماً بأن السلطات القضائية اللبنانية ضمنت طلب الاسترداد مواد لا تنص على عقوبة الإعدام لطمأنة الفرنسيين الذين تحججوا بوجود عقوبة الإعدام في لبنان لعدم تسليمه.
وأفاد مرجع قضائي ل<<السفير>> أن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا <<لم يتبلغ رسمياً من أي جهة قضائية فرنسية عزم فرنسا على الإفراج عن الصديق، ولا يمكن التعليق على أخبار صحافية، ونعطي رأينا عندما نتبلغ رسمياً>>.
وأوضحت المصادر أن الصديق موقوف أصلاً عند <<جهاز مراقبة الأمن القومي>> الفرنسي(D.S.T) وليس لدى السلطات القضائية، وإطلاقه خاضع لقرار سياسي فرنسي وليس لمعطيات قضائية. وذكرت أن المعلومات المتوافرة عن حجة إطلاقه تفيد أن محامي الصديق قدم طلباً لإخلاء سبيله مرتكزاً على عدم وجود ادعاء من القضاء الفرنسي ولا ملاحقة قضائية، وأن مدة توقيفه تجاوزت الحد القانوني المسموح به مع عدم وجود ادعاء، مما يعني أنه في وضع <<اعتقال غير مبرر>>، وراجع المحامي المحكمة البدائية الفرنسية لطلب إلزام الجهات المعنية بإطلاق سراحه. وذكرت المصادر إن السلطات اللبنانية ومحامي الدفاع ينتظرون الاطلاع على تفاصيل حيثيات القرار الفرنسي في مهلة أقصاها مساء اليوم الاثنين لتقرير المناسب. وينتظر أن يرسل لبنان اليوم رسمياً، طلباً إلى فرنسا لإيداعه الحيثيات القانونية والقضائية للقرار الفرنسي للاطلاع عليها وبناء الموقف الرسمي اللبناني على أسس قانونية.
وعلم أن ممثلي الادعاء اللبنانيين التقوا بلجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في الاغتيال لمناقشة القرار الفرنسي بإطلاق سراح الصديق.
من جانبها قالت مصادر قريبة من الرئيس اميل لحود إن فريق الأغلبية يعمل دون توقف على تشويه صورته بعدما فشلت محاولة إدانته بجريمة اغتيال الحريري، واعتبرت المصادر أن التصعيد الأخير مرده إلى وجود مؤشرات على اتجاه لجنة التحقيق مع رئيسها الجديد الى البحث في احتمالات أخرى غير تلك التي كان يعمل عليها حصراً ديتليف ميليس.
مسار الصديق
في 13 تشرين الأول الفائت، ادعى النائب العام العدلي القاضي سعيد ميرزا على الصديق وصدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية صارت مذكرة توقيف دولية، أرفقت بطلب استرداده، وبناء على ذلك أوقفته فرنسا في 16 تشرين الاول في شاتو في ضاحية باريس. ونقلت وكالة <<الصحافة الفرنسية>> عن مصدر قضائي فرنسي <<إن غرفة الاتهام في محكمة التمييز في فرساي أصدرت رأياً رافضاً لتسليم الصديق بسبب <<غياب ضمانة بعدم تطبيق عقوبة الاعدام في حقه>>، مشيراً الى ان الإفراج عن الصديق جاء نتيجة ذلك.
وطلب القضاء اللبناني استجواب الصديق فلم يوفق، وأرسل ميرزا مساعدته المحامية العامة التمييزية القاضية جوسلين ثابت لعلها تنجح في مسعاها غير أن محاولاتها باءت بالفشل، بينما استجوبه رئيس اللجنة الدولية السابق ديتليف ميليس فأفاد بمعلومات عن تورّط مسؤولين لبنانيين وسوريين في الجريمة بينهم الضباط الأربعة الموقوفون.
وكان تقرير القاضي ميليس الأول استند الى إفادة الصديق كشاهد رئيسي من دون ان يسميه، وهو الذي قال إنه شارك في اجتماعات تخطيط عقدت في شقة في حي معوض وتحدث عن سيارات قال إنها استخدمت، وأعطى معلومات تبين أنها غير صحيحية بالكامل. كما أفاد ميليس في تقرير آخر إن الصديق وقع على اعتراف خطي يفيد أنه متورط في الاغتيال <<مما يزيد من مصداقيته>>. وقال الصديق لمحققين إنه حضر عدة اجتماعات في احدى ضواحي بيروت للتخطيط للتفجير باستخدام شاحنة ملغومة. غير ان تقرير ميليس الذي صدر في كانون الاول قال إن عينات الحمض النووي المأخوذة من الصديق لا تتطابق مع الأدلة التي تم جمعها من ذلك الموقع او من مكان الجريمة.
نقص الأدلة
من جهة ثانية قالت وكالة <<أنباء الشرق الاوسط>> نقلاً <<عن مصادر لبنانية مقرّبة من لجنة التحقيق إن الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتز فوجئ بنقص الأدلة في جريمة الاغتيال، مشيرة إلى أنه بدا على قناعة بأن التحقيقات والمحاكمة التي ستعقبها قد تستغرق سنوات>>.
وأضافت المصادر إن أسلوب برامرتز يهدف إلى تشكيل محكمة ذات طابع دولي قبل نهاية ولايته كي تكون واضحة الأسس التي سيتم من خلالها تقييم الأدلة المتوافرة لديه، معرباً عن اعتقاده بأن تشكيل محكمة لا تصمد سوى أيام أمام نقص الأدلة القانونية سيكون كارثة>>.
http://www.assafir.com/iso/today/front/302.html