الزميل الكريم : جقل
قرأت مقالك الافتتاحي ونقدك اللغوي والبياني لمضمون و شكل هذه السورة.
واسمح لي هنا أن ألفت انتباهك إلى مسألة هامة جدا يبدو أن غابت عن ذهنك وعنصر أساسي لا يمكن للنظرة الكلية إلى سورة المسد أن تكتمل إلا به.
أنت نظرت إلى سورة المسد من الداخل يعني المسألة أشبه بقطعة مسنن يعمل في آلة ما فإذا نظرت إلى هذا المسنن خارج الآلة لن تجد له أي أهمية تذكر أما إذا رأيته يعمل بعد أن تم تركيبه في هذه الآلة فسوف تعلم أنه يؤدي وظيفة مهمة مع الآلة وأن تقييم دوره بمعزل عن الوظيفة التي يؤديها في الآلة فيه اجحاف كبير وانتقاص لدوره وأهميته.
هذا العنصر الأساسي الذي كان غائبا عنك وأنت تحلل السورة من الناحية الأدبية يكمن في كون أبو لهب بالذات هو عم النبي وهذا ما يوضح لماذا تم إبراز ابو لهب بالذات دونا عن غيره و تسميته بالاسم خصوصا إذا علمت ان الرسالة والدعوة الإسلامية جاءت إلى مجتمع يعتبر الأنساب من مظاهر النبل ووتترتب عليه التقسيمات الطبقية في المجتمع.
وهي مسألة لا يمكننا إغفال دلالاتها القوية في مجتمع يولي رابطة الدم والأنساب اهتماما بالغا ويعتبرها أهم رابطة تبنى عليها التجمعات الاقتصادية المتصارعة على الثروة والعلاقات الاجتماعية وحتى التشكيلات السياسية المتنافسة.
وأنت تعلم أن التاريخ العربي ظل لنحو قرون عديدة هو صراع على السلطة بين الأمويين والعباسيين و الطالبيين والعلويين والفاطميين و جميع هؤلاء باستثناء الأمويين استندوا في شرعيتهم بالحكم إلى رابطة الدم و القرابة التي أخذوها عن النبي واعتبارهم أولى بالملك الذي أسسه من سواهم ناهيك عن ان المذهب الشيعي برمته والعديد من المذاهب تأسست على أن علي بن ابي طالب هو الذي يجب ان يرث الملك عن النبي بعد موته وتقديس الأئمة الـ 12 من نسله وآل البيت فيما رأى بنو العباس ان العباس احق بهذا الأمر ، ولن أسرد لك قائمة الدول والممالك التي تأسست على هذا الجانب.
وهنا أحيلك لهذا الرابط لتدرك مدى ما ترتب على مسألة الانتساب للدوحة الهاشمية من اثر في التاريخ السياسي والفقه الاسلامي
http://forum.nadyelfikr.net/viewthread.php?tid=30569
وهذه السورة لو نظرت إليها من الخارج لوجدت أنها وبشكل غير مباشر تنقض الادعاء بوجود أي تفوق جيني أو أخلاقي أو أي شكل من أشكال التميز للسلاله الهاشمية عن غيرها فإذا كان مقام ابو لهب والذي هو عم النبي وأقرب إليه من كل الذين يتباهون به هو بهذا السوء فكيف بالذين جاؤوا من بعده والذين هم أبعد نسبا وقرابة.