{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #4
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة
صدر الدين الشيرازي ومسألة الوجود
" الجزء الثاني "



إرتبط مفهوم الوجود بمفهوم الماهية ارتباطًا جدليًا لا انفكاك فيه، حتى بات البحث في الوجود يُلزم ويفرض بذاته التعمق بالماهية والكشف عن متعلقاتها. وينقل لنا الواقع أن الفلسفة وعلم الكلام قد ركزا لمدة لم تكن بالقصيرة على كون الماهية هي الأصيلة في حين كان الوجود برأيهم هو الاعتباري. الأمر الذي ينتج كون الوجود هو ما هو بالنسبة إلينا لا أكثر ولا أقل. وبهذه العجالة لا بأس من الإشارة الى الدور التوليفي الذي لعبه أبو نصر الفارابي ما بين وجهتي النظر الإشراقية والمشائية، وما أثره هذا الدور من تحول النظر – ولو بشكل لم يتضح تمامًا أو على الأقل لم يكتمل مع المعلم الثاني لأسباب قد نتعرض لها- إلى الوجود باعتبار تحقق الاستقلالية والتأصل بالنسبة له .. وأهمية هذا الدور تكمن أساسًا في تشكّله كممر ومنطلق للعديد من الأبحاث اللاحقة المدققة في هذا الموضوع والموسعة فيه ..

من هنا وعلى ما أسلفنا حول ضرورة التعرّض بالبحث لمفهوم الماهية في بحث مفهوم الوجود، تُطرح معنا الاستفهامات التالية: ما هي الماهية كمفهوم؟؟ ثم كيف كانت أصيلة.... بمعنى كيف كان ينظر اليها من يحكم بأصالتها؟؟ بعد ذلك ما هي الطبيعة التي تحكم علاقتها بالوجود؟؟ وما هي الاعتبارات التي ارتبطت فيها؟؟ وما هو الدور الذي لعبه الملا صدرا الشيرازي في هذه المسألة؟؟

من المعلوم أن مفهوم الماهية مأخوذ من الاستفهام المنعكس من صيغة :"ما هو؟" .. وهي على هذا تتبلور بما يكون الشئ به هو، أو بما به الشئ هو، وتتمثل بالمعنى الكلي المُستقى من خلال عملية تصورية إستقرائية للجزئيات .. وعليه فيمكن إعتبارها من المعقولات الثانية الموجودة في الذهن والتي تتحقق مصاديقها الجزئية في الخارج، بهذا وعليه ذهب القائلون بأصالتها إلى أنها ذات بُعد انتزاعي تصوري، وليس لها إمكانية تشخّص إلا فيما هو اعتباري وعرضي.. غير أنهم اختلفوا فيما بينهم حول حدود الماهية واعتباراتها، بمعنى أنها بالخارج هي نفسها، أم أنها ثابتة في الذهن لكنها إعتبارية في الخارج .. وعليه قسموا الماهية إلى ثلاثة إعتبارات في سبيل تحرير النزاع الواقع..

وهذه الاعتبارات منها ما كان له وجود متشخص في الخارج، ومنها ما استقل بالذهن، وأولها: الماهية المقيدة بالعوارض المشخّصة، أو المتعلقة بالموجود الخارجي.. وقد أطلقوا عليها تعبير "الاعتبار بشرط".. وثانيها: الماهية المجردة المستقلة والمتعلقة بالذهن فقط، وأطلقوا عليها "الاعتبار بشرط لا".. وثالثها: وهو غير المتحدد بحيثية.. بل يكون موجودًا في الاعتبارين السابقين معًا ... وهو "الاعتبار لا بشرط".. وكذلك يُطلق عليه تسمية "الكلي الطبيعي" .. وعلى الرغم من إنكار بعضهم لوجود "الكلي الطبيعي" .. ذهب البعض الآخر إلى تفسيره باعتباره مقسمًا للقسمين ... فالمقسم يحتوي بذاته الأقسام .. وهو من قبيل قسمة الحيوان إلى ناطق وصاهل .. فالحيوان كمقسم يحتوي بذاته ما هو ناطق وما هو صاهل ... الخ .... لكن وبهذا الأطار من البحث والتحرير نشأ خلاف آخر.. تقوّم هذا الخلاف باعتبار المفهوم، وذلك على القول أن وجود الكلي الطبيعي السالف الذكر في إطار الماهية المنمزجة المتحققة بالخارج ينتج عنها وجود خارجي أيضا .. وهو خلاف القول الذي يرى أن الماهية المنمزجة هذه لا وجود حقيقي لها وما هي إلا مجاز .. وعليه ينتج من بين هذا وذاك القول أن الماهية لا موجودة ولا معدومة... وضمن هذا الخلاف المستشري، ظهر الفارابي برأيه الذي أشرت إليه سابقًا، ليحول النظر من الماهية إلى الوجود .. وليرى أن التشخص من لوازم الوجود العيني .. ويصيب الماهية باعتبار صلتها وارتباطها بالوجود .. وكانت هذه نقطة الفصل .. أو المبدأ الذي بدأ فيه النظر إلى الوجود باعتبار أصالته .. وإلى الماهية باعتبار اعتباريتها ..

هناك وجهة نظر لما تزل ذات وزن الى اليوم.. وتتمثل وجهة النظر هذه بنفي وجود من تحدث عن أصالة الوجود فيما قبل الشيرازي، ويرى أصحاب وجهة النظر هذه .. أن ما نُقل عن آرسطو والفارابي وإبن سينا - باعتبار شياع القول بأصالة الوجود عند المشائية بمقابل الإشراقيين الذين يرون بأصالة الماهية- لا يتعدى كونه تعزيزًا للقولين معًا .. ويذهب بعضهم بوجهة النظر هذه للاستشهاد بأن مير داماد أستاذ الشيرازي نفسه .. قد كان مشائيًا لكن مع هذا كان يرى بأصالة الماهية .. وعليه فالنتيجة الواضحة لهذا الكلام أن صدر الدين الشيرازي هو أول من قال بأصالة الوجود ... ولكن هل يمكن التسليم بهذا ؟؟

أعتقد أن بناء جواب لمثل هكذا سؤال قد يستدعي بذاته دراسات مطولة .. لكن هذا قد لا يمنع من تناول الفكرة الأساس بطريقة موجزة، فعلى الرغم من أن الشيرازي كان أكثر الفلاسفة المسلمين دقة في تناول موضوع الوجود وأصالته، لكن هذا لا يمكن أن يلغي حضور أصالة الوجود من فلسفة آرسطو.. أو توليفة الفارابي .. أو غيرهما .. نعم لم تكتمل تلك الفكرة إلا مع الشيرازي، إلا أن عدم اكتمالها أو نضجها مع غيره فيمن سبقه لا يعني بالضرورة انعدام وجودها بالمطلق .. لربما المسألة هنا قد تحتاج إلى نوع من السبر لاستيضاح طبيعة علاقة الفلاسفة المسلمين الاوائل مع الفلسفة اليونانية... فهؤلاء الفلاسفة لم يتعاملوا مع الرصيد العلمي اليوناني بطريقة متكاملة تبحث بكل ما نتج عنها .. وتوسعه .. بل كان خيارهم تغلب عليه الإنتقائية -المباشرة أو غير المباشرة- المفروضة في الكثير من الأحيان من طبيعة المجتمع الذي عاشوا فيه، وحاجاته .. وإشكالياته الثقافية والمعرفية.. ومن ثم فقد تشكل لديهم مشكلة أخرى تمثلت بالترجمة التي أوصلت الكثيرين للحكم على بعض المصادر الفلسفية المتعلقة بالتراث الافلوطيني ونسبتها خطأ إلى آرسطو .. كل هذه الأمور وغيرها كانت بمثابة التحديات المصيرية للفلاسفة المسلمين في تحديد وجهات نظرهم، ولا يخفى على أحد تلك المعاناة التي عايشوها ليتوصلوا إلى فهم أفلاطون وآرسطو كما هما .. بهذا فيبدو أن الفلسفة من الكندي وصولاً إلى إبن سينا حتى إلى ما بعده كانت تتشكل كتيار ملتبس غير دقيق .. تتقاطع فيه المحددات العامة للفلسفة الإشراقية بالمشائية..


بهذا .. ولمزيد من تسليط الضوء على الموضوع.. يبدو من المناسب في هذا المقام التطرق إلى أبرز الركائز المشكلة لفلسفة آرسطو .. وتأثيرها على الفارابي وإبن سينا .. سعيًا لاستجلاء ما إذا كان هؤلاء الفلاسفة قد سبقوا الشيرازي بالقول بأصالة الماهية .. أم أنه الفيلسوف الأول الذي ابتكرها..

لعل واحد من أهم المواضيع التي تبرز أمام الباحث في مجال المقارنة ما بين فلسفتي أفلاطون وآرسطو .. يتمثل بالعلم، فالعلم متعلق بالماهيات الكلية .. ولا يكون العلم إلا بما هو كلي .. وربما أبرز ما دفع أفلاطون للقول أن موضوعات العلم متمثلة بماهيات المثل الثابتة، وموقعها فوق الموجودات المتغيرة .. هو الإشكالية الحاصلة من كون العلم كذلك .. فالعلم إن لم يكن مقدر له أن يكشف عن الموجود بما هو موجود .. تحول العلم الموضوعي إلى شئ خيالي .. بذا وللخروج من هذه الإشكالية المتمحورة ما بين إنكار مفهوم الشئ في ذاته .. وبين رفع العلم إلى موضوع آخر فيما سوى الوجود .. كان خيار أفلاطون هو الثاني .. حيث قرر وجود عالم المثل ... ورأى أن العلم من الماهيات الثابتة ... غير أن الحل الافلاطوني ما كان ليرضي آرسطو الساعي للكشف عن العنصر الدائم والثابت في نفس ذات التغير ... وهذا ما شكّل له تحد بالغ .. حيث اهتم الرجل اهتمامًا خاصًا بالموجود .. وأسبقية الطبيعة، وهو الأمر الذي ساهم ببلورة اتجاه واقعي للفلسفة .. وثبت من خلاله أنه المؤسس الأول لأصالة الوجود .. والمساهم الأبرز في اجتياز أولى الخطوات على طريق إثبات العلم الموضوعي ..

هذا من ناحية آرسطو .. أما الفارابي - أحد أهم المؤسسين لنظرية أصالة الوجود في الفلسفة الإسلامية - فعلى الرغم من قوله بنظرية الفيض الأفلوطيني .. وعلى الرغم من إشكالية المصادر التي وقع بها .. وأدت بفلسفته إلى نوع من الخلط ما بين المثالية الأفلاطونية والواقعية الآرسطية .. وغير ذلك ... على الرغم من كل هذا .. بدا الفارابي حاسمًا في تأكيده أن العالم الخارجي واقع موضوعي مستقل .. وبالتالي فموقفه من الموجود العياني هو هو موقف آرسطو .. وهذا ما يبدو واضحًا في موقف المعلم الثاني من المعقولات الأولى .. حيث رأى أن إدراك البديهيات .. إنما تبدأ من الجزئي الخاص إلى الكلي العام اعتماداً على الحس .. بذا فالحس لديه هو الأساس للمعرفة ... وهذا الموضوع بالتحديد قد وجد صدى واسع في فلسفة إبن سينا ... وكل ذلك ينهي إلى القول بأولوية الموجود ... وعلى كل هذا .. فالماهية تأتي في مرتبة دوناً عن الوجود .. بل هي الكلي المجرد المنعكس من العياني إلى الذهني .. ومن الجزئي إلى الكلي ..

بهذا .. فأظن أن هذا الالماح الموجز قد استوفى قصده في وضع مسألة "أصالة الوجود" في سياقها التاريخي المطلوب .. وأظهر فضل السبق لآرسطو والفارابي فيها .. وبالطبع هذا لا يلغي أهمية الدور الذي لعبه صدر الدين الشيرازي .. فهو من حيث الواقع من أتم بناء هذه النظرية .. وأشادها متكاملة .. وهو ما سنتطرق له في الحلقة الثالثة من هذا الموضوع ..



:redrose:
05-13-2006, 07:25 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة - بواسطة أبو علي - 05-13-2006, 05:52 PM,
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة - بواسطة نزار عثمان - 05-13-2006, 07:25 PM
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة - بواسطة ياريموثا - 05-14-2006, 01:23 AM,
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة - بواسطة Enki - 05-23-2008, 11:11 AM,
ابن رشد ليس آخر الفلاسفة - بواسطة ابن نجد - 05-23-2008, 04:44 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  كيف يمارس الفلاسفة الجنس؟ بسام الخوري 10 6,890 05-16-2012, 03:19 PM
آخر رد: Narina
  الفلاسفة الأعلام عادل نايف البعيني 21 22,859 07-10-2010, 06:00 PM
آخر رد: دعاء ياسر
  كيف قرا بعض الفلاسفة الاخلاق ! Awarfie 1 2,151 02-26-2009, 06:58 PM
آخر رد: Awarfie
  حل لقضية شغلت كثيراٌ الفلاسفة والمفكرين نبيل حاجي نائف 12 4,119 07-06-2006, 10:33 PM
آخر رد: توما الرائى
  أكثر ما يغيظني في الفلاسفة الموجة الثالثة 3 1,803 06-28-2006, 12:54 AM
آخر رد: العقيد

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS