أهلا بالأخ طارق القداح (f)

لم تقرأ المقال ، وإنما لفت نظرك عنوانه ، أني قد ابكي الزرقاوي ، فأتيت ناصحا إن أوفر دموعي ، ولا اذرفها على مجرم بحسب وصفك ، وإذ اقدر فيك هذه البادرة الطيبة في النصح أريد إن أنبهك لجملة من الحقائق غفل عنها ذهنك ، أثناء تسرعك في الرد العاطفي السابق .

لست من هواة البكاء ، فما بالك أن ابكي على رجل لم أكن في أي مرحلة من المراحل معجبا به ، وطوال مدة وجود الزرقاوي في العراق ، وأثناء جميع الأعمال التي قام بها لم انظر له أي نظرة أعجاب ، أو حتى احترام ، ولم اكتب فيه كلمة إشادة واحدة ، وكم ينفرني ويستفزني نبرة صوته في خطاباته التي يتوعد بها مخالفيه ! .. وذلك كوني لست منسجما مع توجهات الرجل الفكرية ، وأسلوب مقاومته القاسية ، والموغلة في العنف .. لذلك فانا لا يمكن إن ابكي الرجل بعينه وذاته ! ...
كما إن الرجل بما يملكه من أفكار يؤمن بها - و ليس اقلها انه شهيد - لا يحبذ لأي قريب ، سواء كانت حماس أو غيرها ، أو بعيد مثلي أنا - بكل تواضع - ، إن يبكيه على مكسب قد حققه ، ويسعى إليه ، بأن يلقى ربه شهيدا ، فهذا مكسب كان يسعى بشجاعة إليه - حسب إيمانه .

ونظرتي للزرقاوي لم تختلف بعد موته !... لكنه يظل ورغم كل عيوبه ، ومثالبه ، وحتى جرائمه ، قد حقق هدفا لم ينجح في تحقيقه كل من يزايدون عليه ، فقد ثقب سفينة المشروع الأمريكي في العراق ، والمنطقة ، وبقصد أو غير قصد فان جميع الشعارات التي رافقت ترويج ذلك المشروع تلاشت بتدرج كبير حتى كأننا لا نسمع بها - الان - ، لقد جعل العراق جحيما على الجميع ، هذا الهدف - بحد ذاته - يجعل الزرقاوي يقوم بعمل بطولي في هذا البلد ، لعلنا قد نختلف أنت ، وأنا في نظرتنا لهذا العمل ... فالكثير من المخدوعين قد يعشم نفسه ببناء ديمقراطية في العراق كما تروج لها أمريكا ، أنني أفضل إن يكون العراق جحيما على أمريكا ، وجنودها ، ومصالحها ، وبالتالي فشل مشروعها في المنطقة ، على أن تبني ديمقراطية في هذا البلد ! .. وليست الديمقراطية هي المرفوضة - بالنسبة لي - بل هي شماعة الديمقراطية الموعودة التي تأتي عبر الاحتلال ، ستارة لأهداف غير معلنة لاحتلال صريح ، احتلال ترفضه كل نفس سوية ، وعقل حر ، فلا استطيع أن أتصور أنسانا يمكن إن يرضى بديمقراطية تأتي باحتلال يفقدك السيادة ، والكرامة ناهبا في طريقه ذاك كل فضيلة لك ، بما فيها ثرواتك ، ومصالحك ، وأمنك ، أنت ، وأمتك ! .

انني انظر بتقدير - محدود - للزرقاوي لأنه نجح بحق في جر أمريكا لمستنقع آسن في هذا البلد ، متوعدا - بنجاح - بان يجعله جحيما لا يطاق لهم ، متبعا وسائل بسيطة في تحقيق هذا الهدف ، لا تحتاج إلى تمويل باهظ ، او خارجي ، ولا إلى جهد كبير، بل تحتاج إلى أتباع مؤمنين، ومنقادين تماما تحت إمرته ، ومضى الرجل مقتولا ، لكن سنته وطريقته التي اتبعها باقية ، تنذر ، وتبشر بالجحيم العراقي الذي جلبه الاحتلال الأمريكي له .

أم عن كونك تصفه بالمجرم ، فانا قد لا اختلف معك - كثيرا - في هذا التوصيف ، لكنه ليس المجرم الوحيد ، فبوش نفسه مجرم ، وبلطجي بمرتبة رئيس ، وقواته الغازية مجرمة تقوم بفعل الجرائم المتتالية في هذا البلد يوميا ، وتغطي عن الجريمة السابقة بفعل جريمه اكبر فيما بعد ، والحكومة العراقية الماضية - والحالية - تقوم بجرائم مُشرعة ضد مخالفيها ، وضد أهل السنة ، وفيلق بدر - كذلك - مجرم ، والمليشيات الشيعية الأخرى مجرمة هي أيضا ، الزرقاوي ليس المجرم الوحيد في هذا البلد ، كلهم مجرمون ، وهذه هي أصول اللعبة التي يلعب ضمنها الزرقاوي ، والتي ابتدعتها أمريكا على الجميع .

أنني باختصار ابكي الإجرام ، والإرهاب المقاوم فيه ، وضع مليون خط تحت المقاوم ، فهذه قواعد اللعبة في هذا البلد المنكوب ، وهذا ما زرعته أمريكا ، وما يجب أن تحصده منذ إن قدمت للعراق ، إجراما يقابل بإجرام .

أن الزرقاوي لم يعبر عن يأس ، بل عبر عن انفراج كبير لإتباعه ، ولامته انه يستطيع بثلة محدودة العدد ، محدودة السلاح ، قليلة التدريب ، إن تضر بأقوى قوة عالمية حادة من توسعاتها وطموحاتها ، ومشاريعها ... أنني لا اعبر عن يأس ، بل اعبر عن روح متفائلة بروح هذه الأمة التي قد تستمر ، ولو كان ذلك بثلة من المجرمين مثل الزرقاوي ، فاجرامه لا يلغي غيرته على أمته ، أو على الأقل من يعتبرهم أنصاره ، وأمته ، يفعل ذلك عندما يتقاعس البقية عن تأدية واجبهم في مقاومة الاحتلال ! .

مع فائق التحيات