[CENTER](3)
انجلترا "الإنجليزية"[/CENTER]

في عام 577 ، وفي منطقة "ديرهام" هزم أهالي بريطانيا الأصليين أمام القبائل الجرمانية الشمالية. هذه القبائل التي استدعاها ، قبل قرن من الزمان ، الزعيم البريطاني "فرتجيرن" ليعينوه على صد هجمات البكت – وهم قبائل تسكن "كلدونيا" هددت أمن البريطانيين عدة مرات.

الذي دفع "فرتجيرن" للاستغاثة بهذه القبائل ، هو تخلي الرومان عن الجزيرة البعيدة ، إضافة إلى سحب بعض القوات الرومانية المتواجدة ، في محاولة لإخراج الإمبراطورية الرومانية من السقوط .. الذي كانت على مقربة منه. هنا لم يجد البريطانية سوى هذه القبائل الجرمانية للاستعانة بها. وهذه القبائل هي : "الإنجليز" من إقليم "سلزوج"، و"السكسون" من إقليم "نهر الألب"، و"الجوت" من "جتلندة".

بعد استتباب الأمر للقبائل الجرمانية، بدأ الخطر الاسكندينافي بالتدفق على سواحل الجزيرة ، ففي البداية كانت الهجمات القرصانية الدنماركية ، ثم شاركتها بعض قبائل الفايكنغ . وكانت انجلترا مقسمة إلى سبع ممالك : ثلاثة ممالك انجليزية ، وثلاثة سكسونية ، وواحدة أقامها الجوت . وظلت الهجمات تتوالى على مدى ستة قرون ، قام خلالها ألفرد ،الملك السكسوني، بتوحيد الممالك الأنجلوسكسونية ، تحت حكم مملكة واحدة . ولم يمر قرن من الزمان على هذا التوحيد ، حتى سقطت "لندن" آخر معاقل الإنجليز بيد الملك الدنماركي "كنوت بن سوين" عام 1015م .

الحضارة الانجلوسكسونية امتدت قرابة الستة قرون ، وصبغت انجلترا بصبغتها الجرمانية. ولأن تأريخنا تأريخ فكري ، فسنركز على الجوانب المتعلقة به. كان الحكم بيد العسكريين الأنجلوسكسونيين ، الذين كانوا يحكمون البلاد حكما إقطاعيا، وكانت الأراضي ملكا لهم .. والأراضي التي كان يملكها الفلاحين ، كان يتم التخلي عنها لصالح الإقطاعيين نظير حمايتهم من الهجمات الدنماركية. وكان الحكم ملكيا مطلقا ، لا يحد منه سوى هيئتين : "مجلس العقلاء" وهو تجمع أرستقراطي .. لم يكن الملك يستطيع إضافة أي شيء إلى ممتلكاته أو أن يسن قانونا أو يشن حربا إلا بموافقته. وفي مواجهة هذا المجلس كان الملك يستعين بالكنيسة ورجال الدين الذين كانوا حلقة الوصل بينه وبين الشعب ، من خلال قنوات الطقوس الدينية والتعليم والتنظيم الاجتماعي.

وكانت القوانين والأنظمة الاقتصادية بدائية ، تنطلق من التقاليد الجرمانية القديمة .. التي كان من ضمنها : الدية ، والتحكيم الإلهي . ومن الناحية الاقتصادية كانت هناك محاولات كثيرة لاستصلاح الأراضي وتقطيع الغابات ، لكن رغم هذه الجهود ظلّ أكثر من نصف انجلترا عبارة عن غابات. ولم يكن للعبد أي حق ، والاسترقاق كان قدر المذنبين والمجرمين ، وكان أبناء الأمة كلهم أرقاء وإن كانت أنجبتهم من أب حرّ.

وفي القرنين السابع والثامن الميلاديين أُنشئت في انجلترا مدرستين كنسيتين ، كانا لهما الأثر في أن تحت انجلترا القمة من حيث التعليم في شمال جبال الألب الأوروبي . وكان هناك في انجلترا خمسة لغات : الإنجليزية والبريطانية (البكتية) ، ولغات الإيرلنديين والأسكتلنديين واللاتينية. ولم يصلنا من الأدب الأنجلوسكسوني إلا قطعا متفرقة نتيجة للتخريب التي تعرضت له دور الكتب جرّاء الفتح الدنماركي. وأكبر أثر بقي من تلك الفترة قصيدة سكسونية عناونها "بيولف" مكونة من 3183 بيت ، كتبت في القرنين السابع أو الثامن ، موجودة في المتحف البريطاني .

لم يتبق من هذه الحضارة الانجلوسكسونية ، سوى أمر واحد .. لا يمكن وصفه بالمادي ، وهو انها كست البلاد بنكهة مميزة ، لم تستطع الفتوح الدنماركية والنورماندية فيما بعد .. إلا الإندماج فيها ، والانخراط تحت لوائها. وهذه النكهة هي التي ستصوغ الذهنية الإنجليزية فيما بعد .. وهي التي سترسم لها خط نهضة يختلف عن خطوط النهضة التي سلكتها كل من فرنسا وألمانيا وأوروبا الشرقية .

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	الحضارة الغربية هي أعظم حضارة في تاريخ البشرية ...	العلماني	30	2,007	09-22-2014, 02:54 AM آخر رد: Dr.xXxXx
	دعوة الأعضال للتصويت في مسابقة أفضل المدونات العربية	زيني عبّاس	0	683	04-03-2012, 01:45 PM آخر رد: زيني عبّاس
	تاريخ الخلافة السعيد	حائر حر	17	3,842	12-20-2011, 07:24 AM آخر رد: S E 7 E N
	حقد على الحجاب أم تاريخ منسي للمرأة الغربية؟	الحوت الأبيض	34	9,674	10-25-2011, 04:20 PM آخر رد: على نور الله
	أهمية طرح تاريخ الدولة الأسلامية الأن	الحكيم الرائى	28	6,651	06-03-2011, 05:01 AM آخر رد: عاشق الكلمه