اقتباس: بهجت كتب/كتبت
هل يمكننا أن ننكر أن عملية السلام وحدها هي التي حققت للعرب شيئا يعتد به منذ 50 عام ، أليست هي التي حررت سيناء وبعضا من الجولان وأراضي أردنية ومدنا فلسطينية؛ هل يمكننا أن ننكر أن الراديكاليين الفلسطينيين يتحملون بعضا من المسؤولية في الأقل عن فشل عملية السلام هذه عندما قاموا بعملياتهم العسكرية بينما تجري عملية تسليم المدن الفلسطينية المحررة للسلطة الوطنية الفلسطينية- وهي المدن التي لم تلبث أن أعيد احتلالها مرة أخرى - لأن هذه الجماعات كانت تريد بكل الطرق إثبات فشل عملية السلام؟ ، و هكذا أصبح الشعب الفلسطيني وحده من بين كل شعوب العالم الثالث الذي فشل في تحقيق أهدافه القومية ليس فقط بسبب الطبيعة الخاصة لإسرائيل التي هي استعمارية واستيطانية فكثر من المستعمرين كانوا كذلك ، وإنما أساسا نتيجة فشل النخبة السياسية الفلسطينية في إدارة الصراع غير المتكافئ بالضرورة مثل أي صراع آخر بين الشعوب و محتليها . مشكلة تلك النخب كانت دائما أنها تصر أن تحيل معركتها الوطنية إلى صراع قومي ثم إسلامي و النتيجة ضياع الهدف الوطني البسيط و الممكن ، و هي عند العمل تصر أن تركب جوادين معا ، التفاوض العشوائي و التقاتل العبثي ، هذه القوى كانت استثناء بين قوى التحرر الوطني فهي تتجاهل كل شيء عن توازن القوى و تستعيض عن الحسابات بالشعارات ، هي تصر أن تعرف العالم كما تتمناه لا كما هو في الواقع ، هذه النخب كما رأينا في حالة حماس ( لا تعرف شيئا على الإطلاق في استخدام القوة العسكرية إلا بالطريقة المعبرة عن الفوضى والانفصام عن الأهداف التكتيكية والاستراتيجية) فلديهم العمل العسكري يكتسب في حد ذاته قدسية، وطالما وصل إلى مرتبة الاستشهاد فلم يعد مهما كل ما يأتي بعد ذلك . حمى الله الشعبين الفلسطيني و اللبناني ليس فقط من أعدائهما، وإنما من أصدقائهما و أقول بعض أبنائهما أيضا!.[/SIZE]
لا، "عملية السلام" لم تكن ممكنة أصلا لولا حروب الإستنزاف التي خاضتها الأمة العربية ضد الكيان اليهودي الإستيطاني. ولا ننسى ابدا أن إسرائيل لم تكن تعترف أصلا بشيء اسمه الشعب الفلسطيني وأن الإدعاء الصهيوني كان "ارض بلا شعب لشعب بلا أرض". لم تضع هذه الأمور بعد من ذاكرة الزمن.
ولقد دخل عرفات بجلال قدره النضالي عملية السلام وأنتهى سجينا بعد رفضه لشروط "السلام" أو بالأحرى الإستسلام التي أرادوا فرضها عليه حتى تمّت في النهاية تصفيته جسديا لأنه لم يكن "شريكا صالحا للسلام" .. كل هذا ينفي ويناقض الإستنتاجات العشوائية التي يطرحها الزميل بهجت الذي يدعي العقلانية لذاته وينفيها عن غيره.
أما الاردن، فكان استسلامها مجاني .. ومن منا لا يعرف ذلك؟
أما سوريا فهي رفضت التخلي عن مياهها الجوفية مقابل استعادة جولان منزوع السلاح وبلا سيادة كسيناء (طبعا بدون العطية الأمريكية السنوية التي تشتري بها الولايات المتحدة نظام مصر).
أما مشروع السلام الكامل الشامل الذي عرضه العاهل السعودي في مؤتمر بيروت فقد بصقت عليه أسرائيل بلا مواربة .. وما يزال هذا المشروع على الطاولة يتسوّل القبول الصهيوني!!!
أليس من المضحك المبكي أن شروط "السلام" التي تفرضها اسرائيل على "شركائها" لا ترضى بها لذاتها. فكل المناطق المنزوعة السلاح الفاقدة للسيادة هي اراض عربية، وكل قوى حفظ السلام منتشرة على اراض عربية، وكل شروط السلام تتحدث عن واجب الشركاء في حفظ أمن اسرائيل. وعزل الشعب الفلسطيني عن امتداديه العربي والإسلامي .. حتى أصبحت القضية "خلافا وطنيا بين إسرائيل والفلسطينيين" .. واصبح دور أنظمة السلام المساهمة في فرض الحصار المطبق على الشعب الفلسطيني. ربما واجبات اسرائيل تتلخص في الحفاظ على أمن أنظمة شركائها، ولكن هل يعقل الإعلان عن هكذا واجبات؟
من الطريف حقا أن نتحدث على العقلانية في الحين الذي نختار فيه ما نشاء من الأحداث لنستننج منه ما نشاء. ولا شك أننا إذا افترضنا ما نريد فلسوف نتمكن من استنتاج ما نريد.
إن الطيف الواسع من الأحداث يوكد أن كل مكاسب العرب في صراعهم مع الإمبرالية والإستيطان إنما كانت مكاسب مكتوبة بدماء الشهداء. ومن المؤكد ايضا أنه لولا البعدين العربي والإسلامي للقضية العربية - بالرغم من توظيف الدنيء لعدد من الأنظمة العربي لمسألة فلسطين- أنه لولا هذه الأبعاد وإصرار الفلسطينيين على مفهوم المقاومة، لكان مصير الفلسطينين اسوأ من مصير الهنود الحمر الذين ما يزالون يعيشون حتى يومنا هذا في "مخيمات السلام". وهذا ما يزالون يحاولون فرضه عليهم.
لا طبعا لا يمكن تجاهل موازين القوى، ولسنا نحن من يفعل ذلك .. بل من يفعل ذلك هم الذين لا همّ لهم سوى الإشارة الى الاضرار التي أصابت البنى السكانية في لبنان جراء القصف المجرم الذي لم يحقق اية أهداف عسكرية .. ماذا يظن هؤلاء؟ اليس توازن القوى هو ما دفع حزب الله الى خوض حرب عصابات؟ ألم تعاني مصر في مدن القناة خلال حرب الإستنزاف؟
أم أن الإستسلام أصبح الخيار العقلاني الوحيد؟!!! طبعا هو الخيار العقلاني الوحيد فنحن غير قادرون على المواجهة وهذه خلاصة الأمر.
"الهدف الإستراتيجي" لامتصاص اسرائيل "بتكتيك" قبول أية شروط للسلام تعرضها اسرائيل يتجاهل تجربة الـ reconquesta الأندلسية التي يسير على طريقها مخطط الشرق الأوسط الجديد. وها نحن نرى تماما تجربة "ملوك الطوائف" تتجسد أمامنا بالروح والجسد. وتتجاهل أيضا تجربة المشرق العربي مع الصليبيين ومع الإستعمار الذي كاد أن يمسح هوية الجزائر والمغرب ..
ولذلك .. وحتى امتصاص اسرائيل بالمقاومة السلمية، علينا القول عيش يا كديش.