الأخ المحترم مورجن .(f)
اسمح لي بمداخلة سريعة حتى أتمكن من إعداد مساهمة ملائمة ،وهو ما لا أستطيعه الآن بسبب نزلة برد لعينة !، .
أقدر لك موقفك المبدئي من قضية المذهب الشيعي بالرغم من نقدك الذي اشاركك اياه لموقف حزب الله ، هذا الموقف المنزه عن الطائفية و التعصب هو ما نتوقعه من المثقف الحداثي ذي التوجهات العلمانية ، إنني أيضا أرفض اتخاذ موقفا معاديا من الشيعة أو مذهبهم ، بل أرفض حتى تغيير مواقفي الداعمة لحقوق الشيعة طالما تيقنت من تلك الحقوق ، كل ذلك بالرغم من المواقف العصبية و المنفلتة لبعض الزملاء الشيعة الأصوليين و المتعصبين للمذهب و رموزه السياسية ، هذه العصبية التي وصلت احيانا للعنف اللفظي و المعنوي الغير مبرر ، في الوقت الذي احتفظ فيه هذا البعض بعبارات الود لمن يكفر الشيعة و يلعنهم و يكذبهم في مشهد لا يدعوا إلى الإحترام في أكثر التعبيرات تهذيبا ، متزامنا مع هذا الموقف المتعصب و المزري للبعض لابد أن أشيد باللغة الراقية و السلوك الحواري الرائع لكثير من فضلاء الشيعة داخل و خارج نادي الفكر ، كما يليق بورثة التراث الخالد للحسين بن علي ،واحد المسلمين و مبعوثهم الأمجد للخلود ، في الشريط الذي أشرت اليه سابقا ( لا تكرهوا الشيعة ) كتبت :
\" هذه ليست شهادة إبراء ذمة للعلمانية من جريمة العصر التي ترتكب ضد شيعة العراق باسم الإسلام السني ، و لكنها إبراء ذمة للإسلام السني نفسه من جريمة ترتكب باسمه و يعلم الله أنه برئ منها .
إنني في هذه الشهادة لا أتحدث بهويتي السياسية الثقافية كعلماني ليبرالي ،و لكن بهويتي الدينية كمسلم سني . نعم كمسلم سني يقرأ الإسلام كما قرأه محمد عبده بالأمس .. الإسلام القرآني وربه الرحمن الرحيم لا كما يقرأه التكفيريون اليوم إسلاما زيفه الشيطان و السيف الصدئ .\"عن الأزهر الذي أعتز بمواقفه من المذهب الشيعي كتبت في نفس الشريط :
هذا موجز من حوار مع د أحمد الطيب مدير جامعة الأزهر ، أعرضه فقط كي يوضح ان هناك رؤية سنية مناقضة تماما للرؤية الوهابية التكفيرية التي تحرض على قتل الطائفة الشيعية في العراق بدعوى الجهاد !!.
1- خلال ال1000 عام الأخيرة كان الأزهر هو معقل الدين الإسلامي التعددي بوجهه السمح ، و من تقاليد الجامعة الأزهرية أنها تحتضن المذاهب السنية و الشيعية على السواء , و كانت المذاهب الإسلامية تدرس جميعها و يفتى بها كمذاهب إسلامية صحيحة ، بما في ذلك المذهب الشيعي الاثنى عشري و المذهب الزيدي ، وهناك فتاوى أزهرية تنسب للشيخ شلتوت بجواز التعبد على المذهب الشيعي الإمامي كمذهب إسلامي صحيح ، هذه الفتوى جددت بعد ذلك بواسطة شيوخ كبار للأزهر .و ذلك على النقيض من الوهابية البدوية التي تكفر ما عداها .
2- إن الوهابية ( لم يذكرها نصا ولكن بوضوح ) هي مذهب متخلف ضعيف الصلة بالدين الإسلامي الصحيح ، و يمكن لأزهري الثانوية دحضها بلا عناء ، وهذا المذهب موجودة دائما و لكنه لم ينتشر سوى في العقود الثلاث الأخيرة بسبب الدعم المادي الواسع الذي يقدمه حكام السعودية ، هؤلاء الحكام حاولوا نشر المذهب خصما من النظرة الوسطية المعتدلة التي يمثلها تاريخيا الأزهر الشريف ، و التي تجسد النقيض لرؤية الوهابية الضحلة المنغلقة و التكفيرية . يرتبط هذا الموقف بمحاولة إزاحة مصر عن مكانها التقليدي كمرجع السنة الرئيسي ، وهي المكانة التي يؤمن الوهابيون أن مصر لا تستحقها دينيا ولا حضاريا ( هناك بالفعل قناعة أن مركز الثقل العربي و الإسلامي انتقل من مصر الفقيرة التي تخلت طوعا عن دورها التنويري إلى السعودية الغنية ذات الفكر السلفي الجامد ) .هذه المحاولة دعمها الأمريكيون بقوة من أجل توظيف الفكر الوهابي التكفيري ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ، ومن المعروف أن المركب الوهابي/ الإخواني كان الأداة الأساسية في تجنيد المتطوعين لمقاتلة الروسي الكافر !.
3- أدى الدعم المادي الهائل للأفكار الوهابية من جانب و قلة الأموال المخصصة لنشر الأفكار الدينية المعتدلة إلى انتشار الأفكار الوهابية حتى بين كثير من الأزهريين خاصة و أن كثير من الفقهاء ذهبوا للعمل في دول الخليج و السعودية تحديدا و عادوا محملين بأفكار وهابية خطرة !.هذه الأفكار قاموا بنشرها فيما بعد داخل أروقة الزهر ، فكثيرا ما تم تنحية المراجع التقليدية ليحل مكانها مذكرات دراسية متعصبة و ضحلة حررها الفقهاء المتحولون و المشترون بالدولار البترولي .
4- لم يقتصر هذا الغزو الفكري على المواقع الأكاديمية بل امتد إلى التدين الشعبي حتى أعماق القرى عن طريق الكاسيتات و الدروس المشبوهة ،ولم يكن نادرا أن يذهب الطالب القروي إلى المسجد لحضور درس ديني على يد متطرف وهابي ثم يقبض 20 جنيه في نهاية الدرس ،وهذه حالات قال الشيخ أنه خبرها بنفسه . بعد ذلك يتحول هذا الطالب الفقير المبرمج وهابيا إلى قنبلة متحركة موقوتة قابلة للانفجار في أي مكان و كل وقت ،وهذا ما حدث بالفعل .
5- لا يوجد أي سند من دين أو عقل يبرر أفكار الوهابية من تكفير لزيارات قبور الأئمة و الأولياء أو الاحتفال بالموالد أو الأعياد الوطنية و القومية ،ولا يوجد أي زي إسلامي و آخر غير إسلامي ، فكل زي يحقق الإحتشام هو زي إسلامي ، بما في ذلك الملابس الأوروبية .فالقاعدة الإسلامية هي أن الأصل الإباحة و ليس التحريم ،و الطهارة و ليس النجاسة ،وعدم وجود نص بالتحريم هو عينه نص على الإباحة .
6- الإندهاش من الموقف المعادي للمرأة الذي تنشره الوهابية بين الشباب ، بما يعني عمليا انتكاسة فكرية و دينية و ارتداد لأكثر من 200 عام ، فهم اليوم يطرحون نفس الأسئلة التي أجاب عليها محمد عبده ،و لكن شتان بين منطق الواثق من سماحة دينه كما فعل الإمام و بين الغباء المتعصب المعادي للبشرية كما يفعلون اليوم .
7- إن هناك 3 أنواع من الأوامر المنسوبة للرسول ، الأولى تخاطب الجميع ( النبي و الفقيه ) و الثانية تخاطب فقط الحاكم ( القائد ) و الثالث هي أحكام خاصة بوقتها ( القاضي ) ، و على رأس الأوامر الموجهة للحاكم الجهاد ، فلا يجوز لفرد أو جماعة إعلان الجهاد و الحرب بنفسها حتى لو رأت مبررا لذلك ، ولا يجوز إعلان الحرب ( الجهاد ) سوى بواسطة الحاكم أو من ينيبه ، وفي حالة غياب أو تغييب الحاكم ينوب عنه من تجمع الأمة عليه و ليس لأحد أن يفرض نفسه ممثلا لله ولا لشرعه كما يفعل ابن لادن و الزرقاوي و غيرهما من حثالة الوهابية .
8- لا يجوز الحرب لمجرد المخالفة في الدين ولم يفت بذلك سوى الشافعي في فقهه العراقي و رجع عن ذلك في مصر ،وهذا الرأي مردود و لا يؤخذ به لأن إجماع الفقهاء غير ذلك ،ولا يجوز تكفير مسلما لاختلاف المذهب ولا أن نقيم من أنفسنا حكما في تلك المسائل الفقهية الدقيقة كما يفعل صبيان الوهابية و شيوخها ضد إخواننا الشيعة الذين ينعتوهم بالروافض وهي بالمناسبة وصف هزلي بلا معنى !،و نحن ندين الوهابية كمذهب إقصائي عنيف و لكن لا نكفر متبعيه كما يفعلون مع مخالفيهم .
9- أدى تصدر المذهب الوهابي و شيوعه كمذهب السنة الرئيسي إلى إصابة الإسلام في مقتل ، فهو يهتم فقط بشكليات بدائية ، و يوفر لأعداء الإسلام أمضى سلاح لتشويه صورة الإسلام و اعتداله ، بل و إبراز الإسلام كدين عنيف مولع بالقتل المجاني للأبرياء .إن سمعة الإسلام قد تشوهت بدرجة غير مسبوقة ، حتى أصبح الإسلام مرادفا للإرهاب بسبب ما أصبح العالم يعرفه عن الإرهاب الأصولي الوهابي .
10- كل ذلك يدفع بضرورة بذل جهدا مكثفا لعودة الفكر المعتدل الذي يمثله الزهر إلى واجهة الدعوة الإسلامية ، و إحالة السلفية الوهابية إلى متاحف التاريخ .
اسمح لي أن يكون هناك مداخلة أوسع بشأن النقد الموجه للقاهرة بصفتي قارئ منتظم للصحيقة ، خاصة مقالات أحمد راسم النفيس و خلافاته مع القرضاوي و التي سببت الأزمة .
تحياتي .
:wr: