أن الحضارة الإسلامية هي حضارة بشرية
العزيز أبو عائشة .
لك و لضيوفك كل تقدير .(f)
اسمح لي بالمشاركة في الشريط ولو جائت متأخرة ، كذلك اسمح لي بوضع مداخلتي قبل استكمال قراءة الشريط لهذا ربما ستجدون تكرارا لبعض الأفكار فأرجوا المعذرة .
هناك مبدأ ندرسه في كلية الهندسة أنه عندما يستغلق عليك مشكلة عليك العودة للمبادئ الأساسية ، سأجرب هذه الفكرة لعلها تسعفني اليوم كما لم تفعل أثناء الدراسة . طبقا لنفس القاعدة سأعيد تحديد السؤال الذي أسعى للبحث عن اجابته .
هل انتشر الإسلام بالقوة أم بالإقناع ؟.وسوف أحصر ردي في هذه الفرعية لا أتخطاها إلى غيرها مثل هل كان انتشار الإسلام ايجابيا ام سلبيا ،أو مقارنة الحضارة الإسلامية بالحضارة الهيلينستية أو الصينية ، أو مقارنة الإسلام بالمسيحية .
حسنا سأحدد المبادئ الأساسية التي استرشد بها .
1- هل هناك عقائد انتشرت بالإقناع في أي زمان ؟.
2- هل تاريخ الإسلام هو تاريخ الله أم تاريخ بشري ؟.
3- هل تاريخ الإسلام استثناء خارج القوانين التي تحكم تاريخ العقائد و الأديان ؟.
4- هل الشعوب التي دخلت الإسلام كانت تمتلك حريتها في الإختيار الفردي – بحكم الثقافات السائدة – أو الإختيار الجماعي وهي الخاضعة لحكم المسلمين ؟.
لن أجيب على أي سؤال فمجرد طرح هذه الأسئلة إجابات في ذاتها ، المشكلة هي أن الإسلامي يعتقد أن الإسلام حالة فريدة غير مسبوقة و أنه انتشر بالدعوة ، بينما يراه أعداء الإسلام حالة استثنائية في فرض العقيدة بالقوة و كلاهما مخطأ . لقد انتشر الإسلام بالقوة شأنه شأن أي عقيدة أخرى هكذا بكل بساطة .
مبدئيا لا أنكر أنه لا توجد دراسة أو حتى مجرد رأي عابر في مجال العلوم الإنسانية يقف خارج النماذج الإرشادية الفكرية السائدة في مجتمع الباحث ( paradigm ) . . و لهذا فالتحيز الفكري حتمي ، و الموضوعية المطلقة مستحيلة ، و لا دخل لحسن أو سوء النية في ذلك ،و لا نطلب من الباحث بأكثر من أن يتوخى الموضوعية قدر طاقته .. هذا التقولب الفكري في النماذج السائدة ، يختلف في طبيعته الأساسية عن التفكير الغيبي الدوجمائي ( dogmatic ) الذي يطبع رؤيتنا للتاريخ كعرب مسلمين ، ففي الحالة الأولى لدينا المعايير الموضوعية المنطقية التي يمكننا بها الحكم على الأفكار المختلفة ، و أيضا مناقشة الباحث دون أن نتهمه ، أو نحكم عليه مبدئيا بالخداع و نرفضه كمعادي ، في حين أن الطرح الغيبي الديني لا يقبل بغير النص المقدس معيارا للحكم ، و بالتالي هو خارج مجال العلم كلية ، إن وصم النص الديني بعدم الحجية العلمية لا علاقة له بقداسة النص أو رفضه ، و لكن له علاقة بالمعايير العلمية ، فكل ما لا يقبل النقد و الإبدال ليس علما .
كانت هناك دائما محاولات محمومة لتوظيف الفكر حتى العلمي و الأكاديمي من أجل أغراض سياسية أو دعاية دينية وبأساليب متنوعة . هذا الاتجاه لتزييف العلوم الإنسانية أصبح سافرا في السنوات الأخيرة نتيجة توظيف استثمارات هائلة في مجال البحث العلمي الموجه سياسيا أو عقائديا . و لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تجعلنا نتقوقع على تراثنا الميت نبكيه أو نحرقه ، بل على النقيض علينا أن نبذل جهدا خارقا نعيد طرح الماضي بشكل منهجي فعال بدون أحكام مسبقة سلبية أو إيجابية ،و أن يكون لنا كلمتنا على الأقل فيما يخصنا نحن .
حضاريا أحب أن أفرق بين إسلامين ، الإسلام البدوي العنيف و المتمحور حول السبايا و القتل و استلاب الآخرين بسبب اختلاف أديانهم ، و إسلام الموالي الحضاري الذي احتفظ من الإسلام بنصوصه التاريخية المقدسة و لكنه أعاد طرحها بمنهج مختلف . لهذا ليس غريبا أن يكون أبو حنيفة النعمان و ليس أي عربي ( صليبة ) هو أول من فقه الدين !.إن الإسلام أعيد انتاجه كما أن شخصية النبي التاريخية تشكلت خلال أكثر من 200 عام ، هذه حقائق يجب أن يعتاد المسلم المعاصر على مناقشتها بروح موضوعية بعيدة عن التشنج .إن هذا التطور الفريد ( شعوبية الإسلام ) هو ما أعطى للإسلام ملامحه الحضارية .
كل ما أتمنى أن يصل للزملاء هو أن الحضارة الإسلامية هي حضارة بشرية ،وهي تختلف عن الدين الإسلامي الذي كان من الممكن أن يفرز حضارة مختلفة تماما لو صادف قوما آخرين !.و لا أعتقد و لا أزعم أن الحضارة الإسلامية بعد التعديل الشعوبي كانت سلبية كلية و لكنها ساهمت كأحد روافد الحضارات البشرية المعاصرة . يبقى إيضاح مستحق هو أنني أرى عرب اليوم مختلفين تماما عن عرب الغزو ، فنحن جميعا عرب بالمعنى الحضاري رغم أن جلنا الأعم من ضحايا غزو دامي لبدوي قديم ، الذي لم تربطه بالحضارة نسب ما . هناك فارق كبير بين العربي الذي غزا مصر و العراق و فارس ،و العربي المعاصر الذي هو أساسا حفيد أولئك الذين جرى غزوهم و استغلالهم .
للجميع تقديري.