{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 1 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أشياء تُشبه اليوميات
بسمة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 681
الانضمام: May 2003
مشاركة: #47
أشياء تُشبه اليوميات
منذ عامين وأشهر لم أكتب قصة..!
أشعر بالحنين إليها جداً. وجدتي أكتب "مبروك" منذ أيام، برغم أنني سبق وكتبت عن شخصياتها، وجدتني أكتب وأكذب وأنساق خلف ما لا أعرف وأشتاق. أتمنى أن تنال رضاكم

اقتباس:مبروك
دِقّة "مبروك" في عمله، ومعرفته بأدقِّ التفاصيل والكميات في المستودع، تُقللُ من مخاطر انفجار مديره في وجهه بسبب غريب قوله وعجيب تصرّفه.

يجلسُ "مبروك" بكسلٍ فوقَ كرسيّه، يمسكُ كوباً ضخماً من النسكافيه السّاخنة، يرشفُ قليلاً منه كلّما تذكّرَ وجودَه بين يديه. لم أره إلا حاملاً الكوبَ وإن لم يشرب منه. أخرجه الأطباء من بطن أمه بعمليةٍ قيصرية خوفاً على حياتها، بعد أن اكتشفوا وجودَ الكوب..!  

يرشُفُ رغوةَ النسكافيه، يتلمّظُ، ينظرُ إليّ طويلاً، يَحارُ من أين يبدأ. أفكِّرُ من الجيّد أن وجهَه دونَ شاربٍ، وإلا علقتْ الرغوةُ فيه بشكلٍ سيء، أنتظر أن يقنعني سبب إنقاصه من طلبيّة اللّوازم التي يحتاجها القسمُ من أقلام، ورق التصوير A4، وملفّات لحفظ المعاملات.

بسبب غيظي من مبروك، أتمنى جَعلَكة شعره وملامحه الحيادية بيديّ، يقضم أمنيتي، يكملُ بصوتٍ رخيمٍ بعد صمتٍ مستفزٍ:  
- "لا أعرفُ بالضّبط كيف أشرح لكِ الأمرَ... الأمرُ يشبه عندما تزوركِ الملائكةُ السّاكنة صوتَ فيروز صباحاً عبر موجات الراديو بهدوءٍ صاخبٍ لذيذٍ، يعيد لنفسكِ توازنها، ولروحكِ جمالها الأول، تبدئين بالغناء معها بصوتٍ خفيض، سيتمايل رأسكِ طرباً وانتشاءً، وحبالُ صوتكِ رقصاً، تُغمضين عينيكِ لأنكِ تعلمينَ بأن مثل هذا الجمال لا يُرى بالعين، إذ تطغى ملائكةُ صوتها وتتفوَّقُ على كل ما حولكِ، تظنين أن تلك الملائكة خاصّتكِ، وتتوالدُ من حاراتِ قلبكِ الدّافئة الحانية.  
   حادّةٌ هي الفاجعة، حين تصمت فيروز على حين غرّة، ويبقى صوتكِ. صح؟!"

يأخذ مبروك رشْفةً أخرى من كوبه، بعد أن اطمأن من موافقة ملامحي لكلامه، يعدّل من جلسته يقترب أكثر من مكتبه، يريح تربيعة ساعديه فوقه ويُكمل:  
- "تُصدَمين أن ملائكة قلبكِ ما هي إلا عفاريت زيّنت لكِ سوء صوتكِ، وقتها لا تملكين من أمركِ غير الالتفات حولكِ داعيةً الله راجِيةً إيّاه أن لا تكون انكشفتْ عفاريتُكِ لغيركِ، تعدِّلين من جلستكِ، تطفو مرةً أخرى هواجسُ يومكِ على سطح تفكيركِ و..."
يحمرُّ وجهي خجلاً، أعدّل من جلستي، لا بُدّ أن عفاريتي انكشفتْ له، بينما كنت أغني ذات يوم مع فيروز. أطمئنُّ أن فَمَ مبروك مشغولٌ طيلة الوقت بكوبه، ولا يملك وقتاً للقيل والقال عن عفاريت صوتي أو صوت غيري ...

- "تتلبَّسُني هذه الحالة كل صباح في الباص، قبل أن يمر بوسط البلد. شغوف بهذه المنطقة، أنتِ تَتَقصَّع ضحكاتكِ وزميلاتكِ صباحاً وتبدأنِ في تقطيع الناس بسكاكين ألسنتكن، بينما أرخي رأسي إلى النّافذة، تلتقط عيني المفتوحة ما تستطيع من تفاصيل: زحام كثيف يضغط رئتَيْ حركة السّير، حافلات النقل العام وسيّارات السّرفيس، وعشرات الأشخاص يهرولون بينما ينظرون إلى معاصمهم المُكبّلة بالسّاعات، لا يعرفون أيلحقون بالوقت أم أن الوقت يلحق بهم، أكادُ أسمعُ إسفلتَ الشّارعِ يصرخُ من رفسهِم صدرَهُ بتلك القوة ودون أمنيةٍ بصباحٍ جميلٍ آمِن!"

يرفع مبروك عينيه عن كوب النسكافيه، يصوّبهما في عيني بعتاب:  
- "هل سبق ورأيتِ الورّاق؟"
بعد أن هززتُ رأسي بالنّفي، رشف من كوبه، غاص عميقاً في طعم النسكافيه المُرّة، ضرب بكفّه على مكتبه:
- " الكلامُ رغوة صابون، وأنتن تزبُدنَ وترغينَ في الباصِ أكثر من صابونة "دوف"! لا تسمحنَ لعيونكنَّ أن تتفحّصَ ما تٌفصِح عنه النّافذة. كل صباح، أنتظرُ اللّحظةَ التي نصلُ بها "السّاحة الهاشمية"، أرى الورّاقَ، يمشِّطُ الرّصيفَ جيئةً وذهاباً بقدميه المشقشقتين منتعلاً حذاءً بلاستيكياً، لم يخطر بباله أبداً، أن يمشّط شعره المنكوش أو يهذِّب لحيته الكثّة المغبرّة. أسميتُه الورّاقَ لأنه دائمُ المشيِ يقرأُ في كتابٍ ويقلِّبُ صفحاتَه. جيوب دشداشتهِ المتّسخة مملوءة بأوراقٍ غير مرتّبة. لا يشغل رأسه السّتيني إلا القراءة، تَبيَّنتُ أكثر من مرة ما كان يقرأ: القرآن الكريم، ديوان شعر، كتاباً باللغة الإنجليزية يحمله بالمقلوب. رأيت أحدهم مرّةً يرفع طرف دشداشته ويشبكها في رأسه، استدار بهدوء لا يتناسب وجسده الضّخم وكرشه العامرة، خطفَ نظرةً سريعةً نحو الرّجلِ، بحرصٍ وضع كتابه على الأرض، أنزلَ دشداشته بين ضحكِ الموجودين في الشّارع ونعتِهم إيّاه بالمجنون، تناول كتابه، انتظر حتى هدأ صخب ضحكهم، وسألهم بصوته العميق: أتعرفون أصل تسمية "مجنون"؟ لم ينتظر إجابتهم فأكمل: هي من جَنَّ الشّيء أي استتر، أي أن عقل المجنون مستورٌ عنه، محجوبٌ ومغطّى. أكمل بعدها الورّاق سيره متابِعاً القراءةَ في كتابه.

- معقول! أهذا ما قاله؟

- أقسم أن هذا ما حدث. وبحثت في أصل التّسمية، ووجدتها دقيقةً صحيحة، لكني أعتقد أن كمال تغطية العقل ليس شرطاً ليُسمى المرء مجنوناً. مرّة كنت أشرب كوب نسكافيه في أحد مقاهي وسط البلد، وكان هناك "نابليون" لا بُدَّ أنكِ تعرفينه، أطلقَ على نفسه اسم نابليون. يتأمّل قُبّعته وينظّفها بعناية وهدوء، يقلّبها ذات اليمين، وذات الشّمال، ينفخ في زاويتها، سألته عنها، أذهلتني إجابته: ((المصنع الفرنسي، صنع عدداً  قليلاً منها، هذه لي أنا نابليون بونبرات، وعرفت بعد ذلك، أنهم صنعوا أخرى لأينشتاين، الذي حصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 1922 بسبب نظرية النِّسبية. صحيح أنهم لم يفهموها للآن، لكنه يستحق نوبل والقبّعة أيضاً دون شك!)). صدِّقيني، عقل نابليون ليس مغطى بالكامل، يملك ثقافةً عاليةً، ومعلومات دقيقةٍ عن أمورٍ كثيرة. مشكلته أن لا رابط بين كلامه، وينتقل من موضوع لآخر دون مقدّمات أو داعٍ. من يدري ربما نُسخَتْ روح نابليون الحقيقي في جسد ذلك المسكين؟!"

- يا مبروك، يَهديك الله، أسألكَ عن طَلَبيّة اللّوازم، لماذا أنقصتَ منها، الكمّيات التي وضعتُها. مالي ونابليون وجسد المجنون؟

يصمتْ مبروك، يمسح على رأسه، يرشفُ من كوبه، ترتفع التّفاحة في حلقه وتنخفض سريعاً، يترك كوبَهُ ويمسك بنموذج طلبيّة اللوازم، يتأمّله ويكمل:  
- أحكي لك سر، ويبقى بيننا؟

- بكل تأكيد تفضّل

- سبق واشتهيتُ مجنونة..!
أرفعُ حاجباً دون آخر، أحدِّق في وجه مبروك الذي تورّط في بوح سرّه...

- سيبقى سرّنا. صح؟ كان صباحاً شتوياً، السّماء تغدِقُ خيرَها على الأرض، العصافيرُ تزقزقُ باحثةً عن مكان تحتمي فيه، أمي تقف مرتجفةً على برندة بيتنا، تقلّب كفّا على كفّ وتقول: يا رب سترك، يا رب سترك. فهمتُ دعاء أمي، حين أدرتُ رأسي نحو جَنّة بيت جيراننا. سعاد  المجنونة، تقف عاريةً تماماً بجسدها الأبيض البَضِّ تحت المطر، تحوِّش قطرات المطر بكفّيها، تدعكُ جسدها: تحت إبطيها وبين النّهدين، تُمرِّر كفّيها فوق عشبها الطّريّ الناعم. رقصتْ وغنّت عاريةً، لوَّنَ جسدَها طينُ الحديقة، دارت بي برندة بيتنا، غام دعاء أمي، لعب الطين الأوّل في رأسي، الطين يخلقني وسعاد، يجبِلُنا معاً فوقه ويُقَولِبنا كما شاء، تظهر العصافير من أعشاشها تزغرد تقف شاشَ عروسة فوقنا. لم أعِ إلا وأمي تدفع بي خارج البيت تطردني نحو صحراء العمل: حرام عليك يا ولد، ربنا يستر عليها وعلينا، يا رب ما حِكمَتُك. لا أخفيكِ فقد استهجنتُ سؤالَ أمي، يومها كنت مؤمناً أن سعاد اختارت الجنون بمحض رغبتها، كي أراها ترقص عاريةً لي تحت المطر ونشتهينا. لكنّي الآن أطلب منكِ أيضاً أن لا تسألي عن حكمة خلق المجانين. تقول الرّوايات أن المسيح عيسى سُئِل مرةً: (أي ذنبٍ اقترفه هذا المسكين المسكون بالشياطين، حتى يكون مجنوناً؟ فأجاب: لا ذنب اقترفه، بل ليتمجّد اسم الله!)

أخيراً، صمتَ مبروك، لم أدرِ ما أقول، ترنُّ في أذني "ليتمجّد اسم الله"، وقفتُ، حملتُ نموذجَ طلبية اللوازم، خرجتُ من مكتبه وهو يضم كوبه بيديه ويشرب منه، أعود إلى مكتبي، ولا أعرف أي طريق قادنا نحو المبروكين الذين تحدّث عنهم مبروك...!
9-11-06
الخميس

http://www.maktoobblog.com/basmafathi
11-25-2006, 08:57 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-12-2005, 09:43 AM,
RE: أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 01-18-2010, 12:03 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة كمبيوترجي - 10-12-2005, 01:32 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-12-2005, 01:47 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة ابن الشام - 10-12-2005, 02:19 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة العلماني - 10-12-2005, 03:14 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة حسان المعري - 10-12-2005, 09:44 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بوعائشة - 10-12-2005, 10:55 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-13-2005, 10:09 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-13-2005, 10:11 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بوعائشة - 10-13-2005, 11:01 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة جادمون - 10-14-2005, 01:14 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة ابن الشام - 10-14-2005, 05:21 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بوعائشة - 10-14-2005, 06:28 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-17-2005, 10:02 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-17-2005, 10:04 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة كمبيوترجي - 10-17-2005, 02:05 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-22-2005, 09:31 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-22-2005, 09:32 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-26-2005, 09:52 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة الختيار - 10-27-2005, 03:03 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-27-2005, 08:57 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة Arabia Felix - 10-27-2005, 12:48 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-27-2005, 02:07 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة العلماني - 10-30-2005, 06:35 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-30-2005, 09:11 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 10-30-2005, 09:12 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة الـنـديــم - 10-30-2005, 09:42 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة مواطن عالمي - 10-31-2005, 09:37 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-01-2005, 09:42 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-01-2005, 09:43 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-03-2005, 05:58 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-03-2005, 04:35 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-09-2005, 08:39 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-10-2005, 04:44 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-17-2005, 08:16 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-29-2005, 09:01 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 12-15-2005, 10:13 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 12-21-2005, 10:17 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 12-23-2005, 02:13 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 01-12-2006, 06:12 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 01-18-2006, 08:08 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 02-23-2006, 06:02 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 02-25-2006, 03:17 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 03-23-2006, 09:56 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 03-25-2006, 09:55 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 06-01-2006, 08:03 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-25-2006, 08:57 PM
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 07-06-2007, 07:39 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 07-11-2007, 10:16 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 09-12-2007, 09:45 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 09-24-2007, 08:54 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 01-03-2008, 05:34 PM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 11-24-2008, 08:58 AM,
أشياء تُشبه اليوميات - بواسطة بسمة - 12-14-2008, 11:08 AM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS