اقتباس:من وجهة نظري الشخصية ، أؤمن بأنّ العلمانية هي الأساس الحقيقي لمواطنة عادلة و لديمقراطية فاعلة يمكن أن تقود إلى نهضة حضارية و إقتصادية .. ، الأديان ليست سياسات و لا مذاهب إقتصادية .. ، و تشغلني كثيراً مسألة التأسيس لمجتمع علماني عربي .. هل يمكن التدرج في هكذا مشروع ؟ ما هي فرص حصوله ؟ و هل يمكن القول أنّ الفرض الجبري لعلمنة المجتمع ( من قبل السلطة - تركيا - تونس مثالاً )، مع الفارق الكبير في النتائج بين المثالين ، هو الحل الوحيد الممكن حتى لو إنتظرنا نتائجه خلال جيلين مثلاً .. ، لكلّ ذلك .. التجربة الأتاتوركية هي تجربة يمكن بل يجب الإستفادة منها كثيراً في عالمنا العربي ..

مصطفى كمال اتاتورك اقام دولته على مبدأي الحداثة والعقلانية ، كما جرى تطويرهما في اوروبا .. و حاول خلق دولة قومية ( للحفاظ على مقوّم الدولة في تلك الظروف التي كانت تهدد تركيا بالإنقسام بعد الحرب العالمية الأولى و لخلق حالة من الإرادة القومية للنهوض ) ، و ساوى بين حقوق الرجل و المرأة في الدستور . بإختصار فكرة أتاتورك كانت تقوم على ما يمكن تسميته إحداث قطيعة معرفية مع الماضي (الموروث- الديني - الإجتماعي) ، بكل ما نتج عنه من مشاكل الهويّة و الإنقسام بين الشرق و الغرب ، .
غير انه لم يقم أبداً باقتراح ايديولوجية شاملة تشكل سندا لافعاله ، لكنه بادر بدلا من ذلك الى اعتماد نظرة ذرائعية "براغماتية" الى جملة المشكلات التي واجهها .  
و سرعان ما اصبحت الكمالية عقبة في طريق تحقيق المزيد من تعزيز الديمقراطية في تركيا ، لأن الدوائر القيادية كانت أميل الى إسناد سياستها لنوع من التفسير التسلطي لهذه المبادئ ، بدلا من اي تفسير ليبرالي ديمقراطي بديل ، وبالتالي فإن مسيرة تطور تركيا باتجاه مجتمع ناضج قائم على الانفتاح ونظام ديمقراطي غربي ليبرالي مستند الى اقتصاد سوق ذي كفاءة تعرض بالقطع بفترات سادتها سياسات قائمة على ضيق الافق اعطت الاولوية للحفاظ على النظام السياسي المتمركز حول الدولة والمستند الى احد نماذج المجتمع المغلق .  

و بصدد تقييم التجربة الكمالية لا يجب أن نُغفل أنّ تركيا اليوم أفضل بكثير من الدول العربية في جميع المجالات .. و أعتقد أن مسيرة تطوير العناصر الليبرالية والديمقراطية في نظام تركيا السياسي في حالة تسارع يمكن أن نشهد نتائجها خلال سنوات قليلة من الآن .