الحكومة تخترع " آلة الزمن " .. رحلات مجانية للسوريين إلى القرن الثامن عشر

" يا شركة الكهرباء الموقرة ، خلينا نشبع من الكهرباء قبل ما نوزع على غير شعوب ، تذكرت أيام الثمانينات ، اي شغل ما في وكمان كهربا مافي الله يعين أصحاب المعامل والمحلات ... "

شكوى الدكتور فراس وسيم مراد كانت احدى الشكاوى التي ترد بشكل مستمر الى سيريانيوز حول انقطاع التيار الكهربائي " المفاجئ " في كثير من المناطق السورية ..

يقول محمد " انه أمر ممتع وغريب في ذات الوقت من صخب الفضائيات وأصوات مراوح الحاسب والبراد ومسجلة الجيران .. فجأة وبدون سابق إنذار صمت كالموت .. وظلام وسكون .. احيانا استمتع بهذه اللحظات".

اذا سنسعى لكي نقطع التيار الكهربائي عنك يوميا "يا محمد حتى تستمع بالسكون" .. ، يجيب محمد بدون تردد " لا دخيلك شكرا على هذا الاقتراح".



من شرب الشاي الى "حفلات الشتم"..!؟

بدأت القصة في مقر سيريانيوز ، ولأكثر من مرة خلال الشهر الجاري نعاني من قطع الكهرباء في أوقات غير محددة مسبقا على مبدأ " يا غافل الك الله " ، وتسبح الأجهزة المتطورة المنتمية إلى القرن الواحد والعشرين في عتمة ليل القرن الثامن عشر وتسبح معها الأفكار ماذا يفعل السكان في ساعات الظلام ..

أبو علاء يسكن ( مزة 86 دمشق ) يقضي ساعات انقطاع الكهرباء " بالشتم على من يعتقد انهم السبب " تنقطع الكهرباء كل يومين أو ثلاثة تقريبا لاكثر من ساعة و نصف و قد اخبرنا "بأن تلك منطقته هي أكثر المناطق التي يجري عليها تقنين في حي المزة".

من جهتها ام مهند ( جرمانا ) تخبرنا " أبادر بغلي ابريق الشاي عند انقطاع الكهرباء و أضعه على الصوبيا مع صحون البذر و أجلس مع العائلة منتظرين الفرج"

أما منى (جديدة عرطوز ) فتقوم " بتشغيل راديو الموبايل على الاذاعة ثم تتوجه الى المطبخ و تخرج ما عندها من طعام لتأكل العائلة قرب الصوبيا".

عماد (حرستا) يقول " بان المشكلة لا تكمن بانقطاع التيار في الصباح بل في الليل و يقول بأنه يبقى نائما متلحفا ناطر الفرج".



99.7 % من سكان سوريا لديهم كهرباء .. حسنٌ نحن كنا في زيارة الـ 0.03 %

نهار "رانيا" ينتهي في الرابعة فإذا لم تقم قبل الرابعة بإنجاز واجباتها المدرسية فستكون عصا معلم القرية المجاورة بانتظارها !

ورغم أن منزل العائلة يحصل على الكهرباء من مولدة إلا أن أمر تشغيلها يرتبط بوجود آلية معطلة في محل صيانة الجرارات الزراعية الذي يعمل فيه شقيقها المعلم " جيكر " الملقب بمندوش الشيخو، في "مزرعة دير حسن" تخضع كهرباء المولدة للتقنين أيضاً فإذا لم يكن للعائلة مصلحة قصوى في تشغيله كقدوم ضيوف أو تناول العشاء لن يتم تشغيله .

يقول " محمد حسون " أحد المعلمين في عين العرب ( 160 كم شمال شرقي حلب ) " كنا نتزود بالكهرباء لتشغيل لمبة وحيدة منذ مغيب الشمس، وحتى نهاية المسلسل السوري، على القناة الأولى بعد نشرة الأخبار، ولئلاً تنقطع الكهرباء فجأة كنا نشغل الراديو على موجة إف إم لكي ننتبه إلى انتهاء المسلسل، وكانت جملة خلص المسلسل يا شباب مثل النفير تدفعنا للقيام بآخر ما ينبغي القيام به فخلال دقائق ستنقطع الكهرباء، كنا نتمنى ألا ينتهي المسلسل "

في قرية تل بوب التي تقع على بعد 20 كم شرقي عين العرب هناك حوالي الخمسة وعشرين منزلاً لم تتم إنارتها بعد يقول المهندس محمد كمري مدير كهرباء عين العرب " يوجد عدد من المزارع الصغيرة لم تتم إنارتها بعد وقرية وحيدة هي تل بوب، و كل هذه التجمعات يمر بالقرب منها خطوط كهرباء متوسطة التوتر، و ستتم إنارتها تباعاً حسب عدد المنازل "



اما قصة محمد شيخو فمختلفة ، ففي العام الماضي ، مدت الشبكة إلى قرية "بيلان" وهذا ما شجعه على البناء بالقرب من أبناء عمومته الذين يسكنون في القرية.

و بالرغم من عدم وجود التيار الكهربائي انتهى من بناء بيته ، حتى المصابيح ركبها بانتظار التيار الكهربائي الذي لم يأت بعد ...




وضع الطاقة الكهربائية في سوريا

كانت نسبة نمو الطلب على الطاقة الكهربائية خلال العام 2006 بحدود 6% بحسب عبد الحليم القاسم مدير المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية.

ويتوقع القاسم بأن يصل كامل الطلب على الطاقة الكهربائية في سوريا حتى نهاية عام 2006 الى 37 مليار كيلو واط ساعي.

كما توقع قاسم أن يصل عدد المشتركين الى 4 ملايين و 260 ألف مشترك حتى نهاية عام 2006 في حين بلغ عدد المشتركين حتى نهاية عام 2005 حوالي 4 ملايين و 133 ألف مشترك. ‏

بينما يصل وسطي استهلاك الفرد في سورية سنوياً يصل الى 1840 كيلو واط ساعي - في الهند يبلغ نحو 500 كيلو واط ساعي ( على سبيل المثال ) -.



يتم حاليا تنفيذ عدد من محطات التحويل على مستوى القطر حيث " ستنجز المؤسسة(توزيع الطاقة ) 16 محطة تحويل حتى نهاية العام ، وفي العام القادم لديها خطة لتنفيذ أكثر من 30 محطة تحويل بالاضافة الى خطوة التوزيع المرتبطة بها بالاضافة الى مراكز التحويل التي تنفذها الشركات في 14 محافظة وخطوط التوزيع ذات الاستطاعة 20 كيلو فولت و 14 كيلو فولت". ‏

وزير الكهرباء احمد خالد العلي يؤكد بان سوريا تحتاج سنويا الى صرف ملياري دولار "لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة " مشيرا الى ان قيمة الفيول المستورد لعام 2006 وصلت الى 540 مليون دولار.


رجال الاعمال يسرقون التيار الكهربائي

العلي يشير الى نوع اخر من المشاكل فقد كشف عن هناك 20 الف دعوى قضائية عام 2005 ضد صناعيين في ريف دمشق لوحدها لاقدامهم على سرقة التيار الكهربائي.

وربما اللافت للانتباه في لقاء جمعه مؤخرا مع مجموعة من الصحفيين في " جريدة الثورة " هو ما كشفه عن عقود بيع الطاقة الكهربائية لكل من الاردن ولبنان ومصر والعراق ولتزويد لبنان بالكهرباء مؤكدا بان هذه العملية تمثل "بيع" الكهرباء وبالتالي فإنها "تحقق المصلحة الوطنية".

بعض الدراسات التي نشرت مؤخرا ( وهي بحاجة لمزيد من التدقيق ) إشارات الى ان صادرت سورية من الكهرباء تتزايد في السنوات الاخيرة الماضية فعلى سبيل المثال ارتفعت صادرات الكهرباء الى الاردن من 10 ج و سا في العام 2004 الى 239 ج و سا في العام 2005 ، بينما لا توجد احصاءات دقيقة عن صادرات الكهرباء السورية الى باقي البلدان.

حيث بان سوريا هي احد اطراف ما يعرف بالربط السباعي الذي يضم حاليا بالاضافة الى سوريا الاردن ومصر حيث يؤكد المسؤولين عن ان المشروع "سيزيد في استقرارية الشبكات واعتماديتها وخفض الاستطاعات التوليدية واضافتها الى الشبكات الكهربائية". ‏

المهندس عبد الكريم قاسم مدير مؤسسة توزيع واستثمار الطاقة الكهربائية يؤكد بان المؤسسة بصدد تنفيذ عدد من محطات التحويل على مستوى القطر حيث ستنجز المؤسسة 16 محطة تحويل حتى نهاية العام ( 2006 )..




"فالج لا تعالج"

هذه الخطط والترتيبات لا تمنع بان انقطاع الكهرباء لا زال ظاهرة مألوفة ( وإن كانت غير مستحبة ) في سوريا ، حيث يقول رياض ( رجل اعمال ) "ليس من المعقول ان تكون عمليات قطع التيار الكهربائي بهذه الطريقة بدون وجود تحذير او برامج او حتى اعتذار ولا حتى اية معلومات .. تجنب رجال الاعمال تكبد الخسائر"

أذكر في مرة اني كنت جالسا في اجتماع عمل لعرض "تقديم" لدورات تدريبية عن طريق الانترنت ، وكان الانترنت مقطوعا حينها ، كنت اصرخ بغضب " لا يجوز ان ينقطع الانترنت في هذا الزمان يجب ان تكون الانترنت مثل الكهرباء"..

لم أكمل كلمتي حتى انقطعت الكهرباء .. وانقلب الحضور على ظهورهم من الضحك .. وربما " الشماتة" ..!!؟